استثمارات بمليارات الدولارات من الخليج تنعش ولايات أميركية مهملة

تتوسع الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة بشكل متزايد لتشمل ولايات غير تقليدية، بعيداً عن المراكز الاقتصادية المعتادة، في ظل بيانات جديدة، وتحركات رفيعة المستوى، تشير إلى اهتمام متنامٍ بالاستثمار في مشاريع ناشئة ضمن ولايات أقل شهرة.
ووفقاً لتقرير نشره موقع AGBI، كان من أبرز الإعلانات في هذا السياق ما جرى خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الخليج في مايو، حيث تعهدت «شركة الإمارات العالمية للألمنيوم» بضخ استثمار بقيمة 4 مليارات دولار لإنشاء أول مصهر ألمنيوم جديد في الولايات المتحدة منذ 45 عاماً، واختارت ولاية أوكلاهوما لتنفيذ المشروع.
وذكرت الشركة في بيان صحفي أن الاتفاق لا يزال مشروطاً باستكمال ترتيبات الحوافز الاستثمارية والضريبية على مستوى الولاية، والمجتمع المحلي، إلى جانب شروط أخرى. وتعكس هذه الصيغة التنافس الحاد بين الولايات الأميركية لجذب استثمارات ضخمة من هذا النوع، إلى جانب قدرة المستثمرين الخليجيين الكبار على التنقل بمهارة داخل شبكة معقَّدة من الحوافز، والتنظيمات، التي تختلف من ولاية إلى أخرى.
وقال ستيف لوتس، نائب رئيس غرفة التجارة الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط: «الولايات المتحدة سوق هائلة ومتنوعة، ويمكن أن تكون هناك اختلافات كبيرة بين الولايات فيما يتعلّق بالبيئة الاستثمارية، ما يؤثر في قرارات المستثمرين»، مضيفاً أن «السياسات الضريبية والتنظيمات تختلف، وغالباً ما تأخذ الشركات في الحسبان عوامل أخرى مثل مدى توافق القوى العاملة المحلية والنظام الاقتصادي مع مصالحها».
ورغم محدودية البيانات الرسمية حول حجم الاستثمارات الخليجية المباشرة في الولايات الأميركية المختلفة، فإن المؤشرات، غير الرسمية، تُظهر أن هذه الاستثمارات، غالباً، ما تتماشى مع الاتجاهات العالمية، مركزة في ولايات، مثل: كاليفورنيا ذات الطابع التكنولوجي، ونيويورك ذات السوق العقارية النشطة، وفلوريدا الداعمة لرواد الأعمال. وفي فبراير، أعلنت السعودية نيتها افتتاح مكتب ثانٍ للعلامة التجارية «استثمر في السعودية» (InvestSaudi) في مدينة ميامي.
لكن في المقابل، تسعى الولايات الأميركية الأقل شهرة إلى جذب رؤوس الأموال الخليجية عبر جهود مكثفة من قادتها المحليين. ففي الأسابيع الأخيرة، قاد حاكم ولاية نيوجيرسي، فيل مورفي، وفداً رسمياً إلى السعودية، والإمارات، والبحرين.
ويرى جاستن ألكسندر، مدير شركة «خليج إيكونوميكس» (Khalij Economics)، أن هذه التفاعلات، غالباً، ما تتم على مستوى الولايات والمدن، مشيراً إلى وجود زيارات متكررة لأعضاء الكونغرس، حيث تتناول بعضها قضايا وطنية، بينما يهدف الكثير منها إلى الترويج لولاياتهم.
وفي ولايات أقل بروزاً، يمكن أن يكون الأثر الاقتصادي لمثل هذه الاستثمارات كبيراً نسبياً. فقد وصف حاكم ولاية أوكلاهوما، كيفن ستيت، استثمار «شركة الإمارات العالمية للألمنيوم» بأنه «يوم تاريخي» للولاية، مشيراً إلى أن له تأثيراً سيمتد لأجيال قادمة.
وبحسب بيانات وزارة التجارة الأميركية، جاءت الإمارات في المرتبة الثانية، إلى جانب إسبانيا، وبرمودا، وكوريا الجنوبية، من حيث عدد الاستثمارات الخضراء المُعلنة في ولاية ألاسكا خلال الفترة من 2014 إلى 2024. وفي الفترة ذاتها تقريباً، شكلت الاستثمارات الإماراتية 13% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ولاية فيرمونت، بعد كندا وسويسرا فقط، و11% من الاستثمارات في ولاية وايومنغ، لتتساوى في المرتبة الثانية مع أستراليا، وباكستان، بعد كندا.
ولا توضح بيانات وزارة التجارة تفاصيل المشاريع، لكن يمكن استنتاج بعض ملامحها. فألاسكا الغنية بالموارد الطبيعية لا تزال تجذب اهتمام المستثمرين الخليجيين في قطاع الطاقة. أما ولاية وايومنغ، التي تشتهر بقوانين تأسيس الشركات التي تضمن الخصوصية، فاستقطبت استثمارات مالية إماراتية، منذ العام 2004، على الأقل، وفقاً لتقرير صادر عن السفارة الإماراتية في واشنطن العام 2020.
وفي فيرمونت، تدير شركة «غلوبال فاوندريز» (GlobalFoundries)، المدعومة من «مبادلة»، منشأة كبيرة لإنتاج أشباه الموصلات في منطقة إسيكس جنكشن منذ أن اشترتها من شركة «آي بي إم» (IBM) العام 2015، ولا تزال أكبر جهة توظيف خاصة في الولاية.
إستراتيجية التعامل بحسب الولاية
ويؤكد ألكسندر أن المستثمرين الخليجيين بارعون في فهم الديناميكيات الاقتصادية على مستوى الولايات. فهم من بين أكبر المستثمرين المؤسسيين، وأكثرهم تطوراً على المستوى العالمي، ويستعينون بخبرات أميركية واسعة، ويملكون علاقات طويلة الأمد في مختلف أنحاء البلاد.
وقال: «أنا أعيش في ولاية ميزوري، والتقيت بأشخاص من جميع دول الخليج درسوا هنا»، مضيفاً: «توجد علاقات شخصية واسعة بين الأفراد من الخليج ومختلف الولايات الأميركية، وهناك معرفة غير متوقعة بولايات أقل شهرة، مثل: ميزوري، أو أوكلاهوما، أو نبراسكا، لدى العديد من المهتمين في الخليج».