«الخط الكوفي المملوكي».. جمال الحروف يأسر الأنظار

«الخط الكوفي المملوكي».. جمال الحروف يأسر الأنظار

الشارقة: رضا السميحيين

لايزال الخط العربي يحتفظ بمكانة خاصة في عالم الفنون، بفضل تنوع أنماطه وثراء سماته التي تجعله فناً قائماً بذاته، قادراً على تجديد حيويته عبر العصور، لكل خط حكاية فنية مميزة، وكل نمط له بصمته الفريدة التي تمنح الخطاطين مساحات واسعة للإبداع والابتكار، ليقدموا أعمالاً تحمل روح العصر دون أن تفقد أصالتها التراثية.

من بين هؤلاء المبدعين، يبرز الخطاط صلاح عبدالخالق، الذي اختار أن يبرز ثراء الخط العربي من خلال التركيز على نمط «الخط الكوفي»، ليكشف لنا عن أسرار الجمال الكامن في هذا القلم، الذي تميز بمرونته الفنية القادرة على استيعاب روح هذا الخط، ليقدم من خلاله أعمالاً متميزة تخرق المألوف، وتتجاوز الشكل التقليدي الى آفاق جديدة في الإبهار البصري.

*ابتكار

في لوحاته، لا يكتفي عبدالخالق بإتقان الحرف، بل يتحول إلى مصمم ومبتكر، يختزل جماليات الكوفي في تشكيلات تلامس الحداثة دون أن تفقد هويتها التراثية، كما تظهر لوحته التي خطها بأحد الأنواع الصعبة في الخط الكوفي وهو «الكوفي المملوكي»، لتدلل على براعته في تحويل الحروف الى لوحات تشكيلية تدهش المتلقين، وتؤكد أن الخط العربي فن لا ينضب، يظل فيه الخط العربي شاهداً على عبقرية الإرث الحضاري مع قدرته على تجديد نفسه، حاملاً رسالة الجمال والإبداع من الماضي إلى الحاضر والمستقبل.

في اللوحة التي بين أيدينا والتي خط فيها الفنان صلاح عبدالخالق، الآية الكريمة ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)- سورة التوبة (51)، في تركيب بصري مدهش يحاكي فيه نافذة معمارية إسلامية تقليدية، في رمزية لطيفة تحيل إلى النوافذ الروحية التي تفتح لنا مفاهيم أسمى من خلال الإيمان والتسليم، وبخط مميز بالأسلوب الهندسي، جاءت خطوطه مستقيمة، وزواياه حادة، مع تصميمات زخرفية متميزة، في تكوين تميز بحرفية عالية حيث تتداخل الحروف بطريقة متوازنة، نحتت الكلمات بشكل فني متداخل لتعطي لكل حرف تنسيقاً خاصاً بطريقة دقيقة داخل مساحة فنية متناغمة.

يعتبر الخط الكوفي المملوكي واحداً من أبرز تجليات الفن الإسلامي، حيث يجمع بين الصرامة الهندسية والروحانية العميقة. وعندما يستخدم هذا الخط في كتابة آيات قرانية فإن العمل الفني يتحول إلى لوحة تحمل أبعاداً جمالية ودينية وثقافية، كما يتيح للتصميم أن يكون معبراً عن القوة والاتساع، ما يتناسب مع مضمون الآية الكريمة التي تتحدث عن التسليم بقضاء الله.

*جماليات

جاءت كلمة «لنا» في الأعلى داخل تشكل زخرفي من استطالات الأحرف، في إشارة مميزة تتوسط التصميم تماماً، لتجذب العين مباشرة اليها، ما يضفي عمقاً رمزياً للتأكيد على الفردية والوجود في دائرة الإيمان واليقين، مع توازن رائع في اللوحة بين الحروف والكلمات، فكل جزء من الخط يتناغم مع الآخر دون ازدحام، تضفي فيه الأبعاد الهندسية التي تظهر في الحروف وداخل الزخرفة انسجاماً بين العناصر المختلفة.

التوازن الدقيق في الحروف المرسومة، يتجلى من خلال تكرار بعض العناصر بشكل متناظر لخلق انسجام بصري، أحاط النص إطار لضبط التكوين الحروفي مع التشكيلات النجمية والأرابيسك، ما يضفي طابعاً فخماً على اللوحة، مع تحديد دقيق لأماكن الحروف والفراغات، كما نلاحظ أن حروف مثل«الألف» و«اللام»، مرسومة بخطوط مستقيمة وامتدادات طويلة، ما يعطيها هيبةً وجلالاً، تتشابك فيه الحروف مع بعضها بطريقة هندسية وإيقاع بصري متناغم.

الزخرفة الهندسية في الجزء العلوي احتوت على زخارف مستوحاة من التراث الإسلامي، ما يبرز السمة الجمالية للخط العربي ويعكس الانسجام الكلي بين الفن والدين، واستخدام اللون الأسود جاء معبراً عن الصلابة والاستقرار، بينما اللون الذهبي لكلمة «لنا» يضيف طابعاً روحانياً مميزاً، بتدرجات لونية لتعطي إحساساً بعمق المعنى في البؤرة النورانية المنبعثة من التشكيل، تجعل المشاهد للوحة أمام تحفية فنية حقيقية.

*إضاءة

ولد صلاح عبدالخالق عام 1963، عمل مصمم ديكور تاريخي بالتليفزيون المصري، وهو مصمم وخطاط بصحيفة الجمهورية منذ 1992، كما أنه عضو لجنة توثيق وتصنيف مقتنيات متحف الإسكندرية للخط العربي، وعضو لجنة الخط العربي بوزارة التربية والتعليم، ساهم في اكتشاف الكثير من المواهب الشابة من فناني الخط العربي، وحصل على 8 جوائز دولية في الخط الكوفي.