غابة من الحكايات في «الموسوس»

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية جديدة بعنوان «الموسوس» للكاتب السوريّ آلان كيكاني، وهي عمل سرديّ يضع القارئ أمام تجربة أدبية ونفسية شديدة الخصوصية، من خلال شخصية فتى مراهق يُدعى صهيب، يعاني اضطراب الوسواس القهريّ، في مواجهة مجتمع يخنق الفرد ويتوجّس من أيّ اختلاف.
تدور أحداث الرواية عن صهيب، وهو طالب متفوق في المرحلة الإعدادية، يعاني نوبات وسوسة مفرطة، مما يجرّه إلى العزلة في البيت، والاضطراب في علاقته بأمّه وأصدقائه.
تُبرز الرواية الوسواس القهريّ لا كمرض فردي فقط، إنّما كأحد أعراض الانقسام الثقافي والذهني الذي يعيشه الجيل الشاب في المجتمعات المنغلقة، حين يصطدم برؤية حداثية للعالم لا يستطيع التفاعل معها. تُمثّل الوساوس في الرواية شبكة سردية تُفضي إلى مساءلة مفاهيم عدة، كما تُظهر تأثير التربية القاسية والوعظ الأجوف في تكوين شخصية هشّة تحاول أن تكون مثالية بأيّ ثمن.
يتنقل السرد بين الحوارات الداخلية، ومقاطع الحوار مع الأم، والمواجهات في المدرسة، والرسائل الإلكترونية التي تكشف عن التباعد العاطفيّ والفكريّ بين الأب والابن. ويقدّم كيكاني شخصيات أخرى تنسج خيوطاً موازية حول الطفولة، الكبت، الانهيارات الصامتة، وأثر الحرب في العائلات السورية.
تتجاوز الرواية في عمقها فكرة الوسواس القهريّ كمرض نفسيّ، لتلقي الضوء على الجانب الروحيّ والفلسفيّ للصراع، وكيف أنّها تمثل محاولة محمومة لتحقيق حالة من التصالح مع الذات، لكن المفارقة تكمن في أنّ هذا الجهد يعمّق الشعور بالضعف والفشل، ويقود إلى متاهات غير مرغوبة.
لا يحاول كيكاني إدانة الوسوسة بقدر ما يفتح باباً لفهم أعمق لهذه الحالة النفسيّة والوجوديّة، ويترك القارئ في حالة من الترقّب والتساؤل، ويوصل رسالة مفادها أنّ الشكوك جزء من تركيبتنا البشريّة، لكن التحدّي الحقيقيّ هو كيف نتعامل معها، هل نستسلم لها ونغرق في دوّاماتها أم نحاول مواجهتها والتصالح مع هشاشتنا؟
آلان كيكاني طبيب وجرّاح سوريّ. ولد في حلب عام 1972. يعمل في المملكة العربية السعودية كطبيب مختصّ في الجراحة العامة، كتب منذ عام 2004 العشرات من المقالات والخواطر والقصص القصيرة في العديد من الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية. من أعماله المنشورة في القصّة الرواية: «قلب من ذهب»، «ليل ولات الطويل» و«مذكرات الملازم الطبيب»، «ليالي الرقّة الحمراء».