«الدستور» تستعرض قصص النساء اللواتي تعرضن لمشكلة «الطلاق غير المسجل»

«الدستور» تستعرض قصص النساء اللواتي تعرضن لمشكلة «الطلاق غير المسجل»

فى صمت موجع بين طلاق يقع شرعًا ولا يُسجل قانونًا، ومراجعة تُقبل شفهيًا وتُهدر حقوقًا، تعيش نساء كثيرات معلّقات، بعد أن يجدن أنفسهن مطلقات قانونًا ومتزوجات شرعًا، ما يجعلهن عاجزات عن استعادة حياتهن، أو ممارسة أبسط حقوقهن، أو بدء حياة جديدة، فتضيع الحقوق وتُغلق الأبواب.الأزمات سالفة الذكر طفت على السطح خلال الفترة الأخيرة، بعد ظهور أزمة الإعلامية بوسى شلبى، ومحاولاتها إثبات زواجها من الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، وخلافاتها مع ورثته من أبنائه.فى السطور التالية، «الدستور» تفتح باب النقاش حول مأساة الطلاق غير الموثق، من واقع شهادات لعدد من السيدات اللاتى تعرضن لمواقف مشابهة، وآراء مختصين، فى إطار البحث عما تستحقه المرأة من عدالة، حتى لا تكون الطرف الأضعف فى هذه المعادلة.«سيدة بولاق» عاشت عامين بورقة زواج وهميةفى كثير من الأحيان تُساق المرأة وتعيش فى نعيم الجهل، وترتكب أشياءً دون وعى منها، وبعد فوات الأوان، تعلم أنها كانت تحت تأثير خدعة كبيرة، أو حتى جُرم من الناحيتين الشرعية والقانونية.هذا ما حدث لسيدة فى منطقة بولاق أبوالعلا، عندما ساقها حظها العثر للانفصال عن زوجها الأول والد طفليها، والزواج للمرة الثانية من عامل، لكن هذا العامل كان شخصًا نصابًا ومخادعًا، وبعد فترة من الزواج دب الخلاف بينهما، فما كان من هذا الزوج إلا أن طلقها «غيابيًا» عند مأذون شرعى، وقبل أن تصلها ورقة الطلاق فى منزل عائلتها عقب شهر من إخطارها بالطلاق، فوجئت بطليقها يطرق بابها ويطلب منها العودة، باعتبار أنه «رجعها»، لكنها رفضت لأنه لم يوثق مراجعة الطلاق، فما كان منه إلا أن أوهمها بورقة تفيد بعودته عن طلاقها، لتوقع عليها وتعيش معه عامين كزوجته بناءً على هذه الورقة، حتى تجددت الخلافات فطلقها وأرسل الورقة التى وقع عليها إلى منزل والدها. استمرت هذه السيدة «مُطلقة» حتى ذهب لها زوجها الأول يطلب منها العودة إليه والزواج منه مرة أخرى، وعندما بدأت تحضر أوراق الزواج ذهبت بورقة الطلاق الأخيرة إلى المأذون، الذى اكتشف بدوره أنها غير صحيحة، وطلب منها استخراج عقد طلاق رسمى.وعندما ذهبت إلى الجهة المختصة لاستخراج قسيمة طلاق، تبين لها أنها مُطلقة من الزوج الأخير منذ عامين، بما يعنى أنها «عاشت معه فى الحرام» عامين، سواء من الناحية الشرعية أو القانونية.ممرضة تدعى طلاقها دون علمها للاستيلاء على الميراثهذه الحالة تختلف عن السابقة، وفيها ادعت سيدة من محافظة الجيزة أنها أرملة، ونجحت فى استخراج «إعلام وراثة» من المحكمة بالتزوير، حتى اكتشف الورثة الحقيقيون أن طليقة والدهم تدعى أنها كانت زوجته فى آخر أيامه للحصول على الميراث.تبدأ قصة هذه السيدة بالزواج من رجل أعمال فى عمر السبعين، بعدما كانت تعمل ممرضة له وتدير شئون منزله. وبسبب حالته المرضية أقامت معه فى المنزل، خاصة فى ظل وفاة زوجته وزواج أبنائه وسفرهم إلى الخارج.وحتى لا يكونا عرضة للشبهات تزوجها الرجل. وبعد عام من الزواج وإنجابها طفلًا منه، وقعت بينهما العديد من المشاكل فتم الطلاق. بعد وفاته، استغلت سفر الأبناء وزيفت «إعلام وراثة»، وعندما طعن الورثة على ذلك أقامت دعوى تفيد تزوير طلاقها.لكن النيابة طلبت قسيمة الطلاق الأصلية من المحكمة فى دفتر الطلاق، وخاطبت الطب الشرعى الذى استكتبها هى والشهود على الطلاق، قبل مقارنة خطها بالنسخة الأصلية، ليتم إثبات أن قسيمة الطلاق سليمة صلبًا وتوقيعًا.لم تجد السيدة فى يدها حيلة سوى الادعاء بأنها لم تُعلن بالطلاق، لكن محامى الورثة نجح فى إثبات أنها قبل وفاة الزوج أقامت طلب تمكين من المحامى العام لتمكينها من شقة الزوجية؛ باعتبارها حاضنة لطفل المتوفى، ثم نجاحها فى الحصول عليها بالفعل. كما تبين له سابقة ادعائها بطلب نفقة متعة، وهذه لا تُصرف إلا فى حالة الطلاق، بما ينفى أنها لم تُعلن بالطلاق، فتمت محاسبتها قانونيًا.اكتشفت أنها ما زالت على ذمة الأول خلال زواجها من الثانى الحالة الثالثة لسيدة فى منطقة «الوراق» بمحافظة الجيزة، ذهبت إلى مأذون شرعى لإتمام زواجها من شخص عقب طلاقها من آخر، وتم عقد القران بالفعل، لكن عقب الزواج أقام زوجها السابق دعوى «تزوير عقد طلاق» ضد المأذون الشرعى الذى حرر عقد الزواج، إلى جانب الزوجة، فتم إلقاء القبض عليهما.وقالت السيدة فى التحقيقات إنها طُلقت من زوجها شفهيًا أمام أسرتها، ولم تكتشف عدم توثيق الزوج عقد الطلاق، إلا عندما أرادت الزواج مرة أخرى ومحاولتها استخراج قسيمة الطلاق فلم تجدها، لتجد نفسها ما زالت متزوجة على الورق. بناء على ذلك، قررت «تزوير» قسيمة الطلاق على أساس أنها مطلقة شرعًا، مؤكدة أن هذا ليس فيه شىء من الناحية الشرعية، لكنه يعرضها للمساءلة القانونية. أما المأذون فأثبت أنه «حسن النية»، لأن القسيمة جاءته مزورة فى صورة سليمة، ولم يعلم أن التوقيع فى قسيمة الطلاق ليس توقيع الزوج الحقيقى، مؤكدًا أنه كان يكمل إجراءات زواج فقط، لذا تمت تبرئته.طلقها بعد 13 عامًا من الزواج ثم أنكر الواقعة أمام المحكمةشهدت محكمة الأسرة بالقاهرة الجديدة إقامة سيدة دعوى قضائية تطالب فيها بإثبات طلاقها من زوجها، بعد زواج دام ١٣ عامًا وأثمر عن ثلاثة أطفال، موضحة أن زوجها طلقها ولم يقم بتوثيق الطلاق، خاصة أنه لم يردها خلال فترة العدة.وقالت صاحبة الدعوى فى دعواها إنها تزوجت بعقد شرعى فى عام ٢٠١١، وعاشت مع زوجها حياة مستقرة نسبيًا، قبل أن تبدأ الخلافات بينهما خلال الفترة الأخيرة، ما أدى إلى تطليقها شفهيًا فى عام ٢٠٢٤.وأشارت المدعية إلى أن الطلاق لم يُوثق رسميًا لدى الجهات المختصة، وأنها لا تملك سوى وثيقة الزواج، ما وضعها فى مأزق قانونى، خصوصًا فى ظل غياب أى إجراء رسمى يؤكد انفصالهما.وأضافت أن الزوج لم يُراجعها بعد وقوع الطلاق ولم يُعدها إلى عصمته، وأنها لا تزال قانونيًا على ذمته رغم انتهاء العلاقة الزوجية فعليًا، ما دفعها للمطالبة بإثبات الطلاق بشكل رسمى أمام المحكمة.وخلال جلسات نظر القضية، حضر الزوج وأقر أمام المحكمة بأنه طلّق زوجته بالفعل، إلا أنه زعم أنه راجعها بعد مرور أربعة أشهر من الطلاق، غير أن الزوجة اعترضت على هذا الإقرار وأكدت للمحكمة أنه لم يُراجعها أبدًا منذ لحظة الطلاق، مشيرة إلى أنها كانت قد دخلت فى مرحلة انقطاع الحيض، ما يجعل المراجعة غير صحيحة شرعًا وقانونًا، لأنها لم تتم خلال فترة العدة.وبعد تداول القضية، أصدرت المحكمة حكمها بإثبات طلاق المدعية طلقة بائنة من المدعى عليه، مؤكدة أن الطلاق قد وقع باتفاق الطرفين، وأنه لا يوجد ما يطعن فى صحة الإقرار الصادر عن الزوج، كما ألزمت الزوج بدفع المصاريف القضائية وأتعاب المحاماة.بعد الطلقة الثالثة: «مش هطلقك ع الورق وخليكى كده معلّقة»طالبت السيدة «مها. ع» بحقها فى إثبات الطلاق أمام محكمة الأسرة بالمنيا، بعد أن طلقها زوجها ثلاث مرات شفهيًا، مع رفض الاعتراف بذلك أمام الجهات الرسمية لحرمانها من حقوقها الشرعية.وقالت «مها» فى دعواها: «تزوجت منذ ٧ سنوات، وأنجبت من زوجى طفلين، ولدًا وبنتًا، ومع الوقت بدأت الخلافات تتصاعد بيننا بسبب عصبيته المستمرة على أتفه الأسباب، ولسانه السليط علىّ وعلى أهلى، حتى وصل الأمر إلى حد التعدى علىّ بالضرب بشكل مبالغ فيه».وأضافت: «فى كل مشكلة بيننا، كان زوجى يظهر غضبه ويصرخ قائلًا: (إنت طالق)، دون مراعاة لمشاعرى أمام أهله، وكنت أتحمل من أجل استقرار حياة طفلىّ وضمان مستقبل هادئ لهما لكن بلا جدوى».وتابعت: «فى المرة الأولى سامحته بعد أن تدخل الأهل والأقارب لإصلاح الأمر بيننا، وبرغم الوعود الكثيرة بالتغيير إلا أن أحواله لم تنصلح، وفى الثانية كتبت ورقة عرفية تثبت وقوع الطلاق لكنه قام بتقطيعها فيما بعد، وفى المرة الثالثة قام بطردى من منزل الزوجية، بعد أن طلقنى أمام أهله وبعض الجيران، وحينها ذهبت لمنزل أسرتى واعتقدت أننى أصبحت حرة، لكننى صدمت عندما رفض الحضور إلى المأذون أو إثبات الطلاق رسميًا، وقال: مش هطلقك على الورق.. خليكى كده معلّقة».وأكملت: «أعيش الآن بلا حقوق.. ولا أستطيع الزواج.. ولا أستفيد من النفقة أو حضانة الطفلين بشكل رسمى، وحتى ولداى يشعران بالضياع بيننا، وتأجلت جلسة قضيتى أمام المحكمة للاستماع إلى الشهود الذين حضروا واقعة الطلاق الأخير».رئيس نقابة المأذونين السابق: الطلاق والرجعة الشفهية ينتقصان من حقوق المرأةقال الدكتور محمد مصلح زقزوق، رئيس نقابة مأذونى مصر السابق، إن إثبات الطلاق بوثيقة رسمية يحقق مصلحة الطرفين، موضحًا: «فى حالة الطلاق الشفهى يقع الطلاق من الناحية الشرعية فقط، لكن لا يقع قانونًا، والمرأة تظل متزوجة وفقًا للأوراق الرسمية، ولا يمكنها ممارسة حياتها بشكل طبيعى أو الزواج مرة أخرى إلا بتوثيق الطلاق قانونًا عند مأذون شرعى».وأضاف «زقزوق»: «لا بد أيضًا من إثبات الرجعة فى الطلاق بوثائق رسمية، فلا يمكن أن يحدث الطلاق بشكل قانونى ويكون الرد شفهيًا، لأن ذلك لا يغير الوضع القانونى للمرأة وتظل مطلقة فى الأوراق الرسمية».وأشار إلى أن إجراءات الطلاق لها نوعان؛ الأول الطلاق البائن، مثل «الطلاق قبل الدخول والاختلاء بالزوجة، والطلقة الثالثة، والطلاق على بيان، أى بتبرئة الزوج قانونًا من الحقوق»، وهذا يتطلب للرجوع عقد زواج جديد بمهر جديد.وتابع: «أما الطلاق الرجعى فيقع شفهيًا فى حضور الزوجة دون التبرئة من حقوقها المشروعة، أو فى غياب الزوجة، وفى هذه الحالة يأتى الزوج ومعه شاهدان ويوقع اليمين أمامهما ويثبت الطلاق، وعقب ذلك يعلن المأذون الزوجة بالطلاق بخطاب رسمى، أو عن طريق محضر المحكمة بتسليمه إعلان الطلاق، عن طريق إقرار من الزوج به مستند لعنوان الزوجة ورقم هاتفها حتى يمكن مهاتفتها والإبلاغ بوقوع الطلاق».وأشار إلى أنه «حتى إذا حدث تلاعب من الزوج فى عنوان طليقته، فالقانون نفى المسئولية عن الزوج طالما هو غير متواطئ مع المأذون الشرعى، ولا توجد عقوبة على عدم إعلان الزوجة بوقوع الطلاق، لأنه ممكن أن يكون محل الإقامة مضبوطًا فى صورة بطاقة الرقم القومى، ولكنها هجرته أو غير موجودة، مؤكدًا: «المأذون قام بعمله وأخذ إقرارًا من الزوج بالعنوان ووضعه فى إعلان الطلاق وسلمه للمحضر المختص بالمحكمة لتوصيله لمقر إقامة الزوجة، وقد يذهب المحضر أو جواب المأذون للزوجة وترفض تسلم الإعلان، وهذا جهل منها بالأمر، لأنه سواء تسلمت أو رفضت فالطلاق وقع فى كلتا الحالتين».وقال: «الطلاق الشفهى إذا استوفى الشروط يقع، لكن إثباته أمر صعب، ولذلك تسعى الدولة لتقنين الطلاق الشفهى وجعله لا يعتد به إلا عند توثيقه وإثباته أمام المأذون الشرعى، فهو فى الشرع سليم، لكن لا يعتد به أمام الجهات الرسمية، فإثبات الطلاق حماية لحقوق المرأة».ولفت إلى أن الأمر هنا يختلف عن توثيق الطلاق وعدم توثيق الرجوع فيه، مضيفًا: «إن حدث هذا لابنتى سأرفض أن تعود لزوجها إلا بورق رسمى مثبت قانونًا أمام المأذون، حتى لو قبلت هى بالرجعة شفهيًا التى قد تتم بالمعاشرة فقط خلال ثلاثة أشهر من وقوع الطلاق فى شهور العدة، لأن الرجعة لا تجوز عقب انتهاء العدة، وتستلزم عقدًا رسميًا ومهرًا جديدًا، وغير ذلك حرام».وقال: «إن عادت السيدة لطليقها عقب الرجعة فى الطلاق دون ورق رسمى وقبلت هذا فهى حرة فى شأنها، ولكن هذا ينتقص من حقوقها المشروعة»، موضحًا أن الزوجة لها حقوق شرعية وحقوق مالية، وللأبناء حقوق مالية، فعند الاتفاق على الطلاق أمام المأذون هو مسئول عن حقوقها المشروعة فقط، لكن ما دون ذلك، سواء نفقة متعة أو عدة أو نفقة أطفال أو أمورًا مالية بينهما، فهذا من اختصاص المحكمة وهو غير مسئول عنه، فالطلاق يقع دون الاتفاق على تلك الأمور.وأضاف: «القوانين من صنع البشر وممكن أن يشوبها العوار إلا أنها تتحرى الصالح العام وإثبات العلاقة الزوجية أو الطلاق، وهذا لصالح المواطنين، وبصفة خاصة السيدة، لأنها الطرف الضعيف فى العلاقة من الناحية الاجتماعية، وإذا كانت فى نظر القانون مطلقة وهى متزوجة فهذا أمر صعب».وتابع: «هذا مشابه لما يحدث فى زواج القاصرات، فالقاصر تتزوج بعقد عرفى وقد يحدث خلاف وطلاق قبل إثبات العلاقة الزوجية قانونيًا وتوثيق العقد، وبالتالى تصبح متزوجة ومطلقة دون أوراق، وتكون الكارثة إذا حدث حمل وإنجاب طفل، فيكون عليها إثبات نسب الطفل، وبالتالى لا بد من أن نراعى التوثيق وإثبات الزواج والطلاق أمام مأذون شرعى».