احتفال عيد الأضحى عبر الأجيال في مصر: تقاليد تتطور مع الزمن (تحقيق)

احتفال عيد الأضحى عبر الأجيال في مصر: تقاليد تتطور مع الزمن (تحقيق)

يعتبر عيد الأضحى المبارك من أهم المناسبات الدينية والاجتماعية في مصر والعالم الإسلامي، ومع حلول العيد، تكتسي الشوارع والبيوت بالفرح والسرور، وتعمّ الأجواء بروح المحبة والتواصل، لكن على الرغم من اتفاق الجميع على فرحة العيد، إلا أن طريقة الاحتفال به تختلف من جيل إلى آخر، حيث تحدثت «الدستور» مع العديد من الكبار والشباب في مناطق جغرافية متفاوتة بالدولة للتعرف على عاداتهم في الاحتفال بعيد الأضحى المبارك ومدى اختلاف الاحتفال في الوقت الحالي عن الاحتفال بالماضي.

 الجيل القديم: العيد عبادة وصلة رحم

قد لوحظ وجود تباينًا واضحًا بين ما كان يفضله الجيل القديم للاحتفال بعيد الأضحى، وما يختاره شباب اليوم من طرق للاحتفال، فيولي الجيل القديم أهمية كبرى للجوانب الروحية والاجتماعية في العيد، فهم يحرصون على أداء صلاة العيد في المسجد باكرًا، مصطحبين الأبناء والأحفاد، حيث تُعدّ هذه الصلاة من أبرز طقوس اليوم الأول للعيد، ومن ثم الذهاب لذبح الأضحية، وزيارة الأهل والأقارب والجيران، حيث يتبادلون خلالها التهاني والضحكات وذكريات الطفولة، فالجيل القديم يرى أن صلة الرحم هي جوهر العيد، وأن الجلوس مع العائلة وتناول وجبة الإفطار الجماعية أفضل من أي ترفيه آخر.

من التحطيب للساحل

وفي هذا السياق، قال أحمد ربيع (٤٨ عام – أسيوط) أن احتفال المصريون بعيد الأضحى الآن “اختلف عن زمان”، ففي الصعيد على سبيل المثال وتحديدا في اسيوط والمحافظات المجاورة لها، كان المواطنون يمارسون طقوسًا خاصة، مثل إقامة حلقات للذكر في المنادر وتنظيم مسابقات ركوب الخيل ولعبة التحطيب، مضيفًا أنه عندما كان صغيرًا كان يسعد بهذه الطقوس ويسعى لتعلمها والفرحة الكبرى كان يشعر بها يوم الذبح عندما يشاهد الجزار يذبح الأضحية وتقوم والدته بعمل الفتة ويجلس مع أسرته حول “الطبلية” لتناول لحمة الخروف بسعادة ومذاق خاص “افتقدناه اليوم”. وأوضح (ربيع) أنه بعدها يقوم بتوزيع اللحوم مع عائلته على الجيران والأقارب والفقراء وتقديم التهانى لهم، أما حاليًا اختلفت هذه الطقوس وبعضها اختفى تمامًا كمسابقات التحطيب وركوب الخيل، ولم يتبقى لنا سوى طقس الذبح “فحتى اللمة على مائدة واحدة  لتناول فتة العيد اصبح نادرًا” وسرعان ماجرت الأيام وانتقلت للعمل بالقاهرة قبل ٣٠ عامًا حيث كانت ايضًا القاهرة في تلك الفترة تقام في شوارعها وخاصة المناطق الشعبية بها فقرات ترفيهية مختلفة في العيد مثل فقرة الساحر والأراجوز وإقامة المراجيح للأطفال في الساحات، أما الآن فاختلف الوضع في القاهرة، فالأثرياء يذهبون لقضاء العيد في الساحل والسخنة والمناطق الساحلية، والطبقة المتوسطة تذهب للنوادى الاجتماعية والرياضية، أما البسطاء  فيذهبون الى الحدائق العامة والمناطق التراثية مثل الأزهر، وشارع المعز ومسجد الحسين، ومنهم من يفضل  قضاء العيد في مركب نيلي في المساء، أو الجلوس على الكورنيش مع  أسرته أو السهر على المقاهي بصحبة أصدقائه وبعضهم يتوجه الى دور السينما لمشاهدة الافلام الجديدة.

من جزار الشارع إلى المحلات 

أكدت ثناء سليمان (52 سنة – القاهرة) أيضًا أن طقوس الاحتفال بعيد الأضحى تغيرت كثيرًا عن السابق حيث كانت الأضاحي قديمًا تربى في المنازل ويتشارك الصغار في رعايتها، فعيد الأضحى في اسابق كان يتميز بمتعة خاصة يشعر بها الكبار والصغار حيث يتم التحضير له من قبل العيد بأسبوع تقريبًا من خلال رعاية الأضحية وتجهيز الحلبة والترمس، وفي يوم العيد نشاهد الجزار في الشارع وهو يذبح الأضاحي وتأخذ الزوجة اللحوم وتتشارك مع أطفالها في تكييسها ثم يأخذها الزوج والأطفال لتوزيعها على الأهالي، أما الآن لم يعد الأمر هكذا فالعديد من الأهالي لا تضحي نظرًا لغلاء المعيشة كما يتشارك الآخرين في أضحية واحدة ولا يخبروا بها أحدًا خوفًا من الحسد ويقومون بذبحها عند الجزار أو الاشتراك في الجمعيات الخيرية لذبح الأضاحي نيابة عنهم، مشيرة إلى أنه في الماضي كانت الأهالي تجتمع سويًا للاحتفال بالعيد، أما الآن فالأبناء تجلس في غرفها أمام هواتفهم المحمولة ثم تستعد للخروج برفقة أصدقائها. أما عماد محمد (46 سنة – الشرقية)، فأكد أن الاحتفال بعيد الأضحى الآن لم يختلف عن الاحتفال به في السابق حيثما كنا صغارًا إذ نبدأ الاحتفال به بصلاة العيد ثم الذبح وسط الأهل والعائلة ثم توزيع اللحوم وتجمع الأسرة على الغداء لتناول الفتة واللحم، مشيرًا إلى أن الاحتفال بعيد الأضحى يعد موروثًا يتم انتقاله بين الأجيال. 

 الجيل الحديث: العيد على طريقته الخاصة

أما الجيل الحديث، فأصبح يحتفل بالعيد بطريقته الخاصة التي تمزج بين التكنولوجيا الرقمية والتواصل الاجتماعي، فتجد الكثير منهم يسهرون حتى صلاة العيد دون نوم، يتابعون المسلسلات، أو يلعبون ألعاب الفيديو، أو يتبادلون المزاح مع أصدقائهم عبر الإنترنت، وبعد الصلاة والذبح، لا يفضلون الجلوس في المنزل أو زيارة الأقارب كما في السابق، بل يختارون الخروج إلى المتنزهات والمولات والكافيهات مع الأصدقاء، ويلتقطون صور السيلفي وينشرونها على وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، إنستغرام وسناب شات وغيرها من تلك الوسائل )، حيث أصبح واتساب هو وسيلة التهاني الأولى، إذ تُرسل التبريكات برسائل صوتية أو صور متحركة، بدلًا من الزيارات أو حتى المكالمات الهاتفية.

من التزاور إلى الغرف

أكدت هذه النظرية شروق السيد (20 سنة – القليوبية) حيث قالت أن الاحتفال بعيد الأضحى الآن اختلف بشكل تام عن السابق، ففي الماضي حيث كنا صغارًا كنا لا ننام وننتظر بعد صلاة العيد لزيارة الأهل والأقارب “ولم العيديات” ثم الالتقاء بالأصدقاء والتنزه طوال اليوم. أما الآن ومع استقراري في القاهرة، أختصر العيد بالنسبة لنا في صلاة العيد فقط، ثم نعود إلى منزلنا ونجلس في غرفنا ونتبادل التهاني هاتفيًا أو عبر رسائل واتساب أو منشورات على الفيسبوك، مشيرة إلى أن حتى صلاة العيد نجد الشباب يهتمون بالتقاط الصورة لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من الاستمتاع بهذه الفرحة مع الأهل والأصدقاء. وأوضحت (ِشروق) أيضًا أن الاحتفال بعيد الأضحى يختلف من مكان لمكان، ففي محافظة القليوبية مازالت الأهالي ملتزمة بطقوسها التي تشمل السهر طوال ليلة العيد ثم أداء الصلاة ومن ثم بدء التزاور بين الأهل والأصدقاء لإعطاء العيديات، أما في القاهرة فبعد صلاة العيد بساعتين تقريبًا، لا تجد أحدًا يتجول في الشارع بل وتشعر بفراغ كبير حتى حلول المساء، فحقًا العيد في القاهرة ليس له “طعمًا” مثل العيد في القليوبية، وهو ما يدفعني إلى السفر إلى محافظتي لقضاء جميع أيام العيد ثم العودة إلى القاهرة مرة أخرى. 

من التجمعات إلى الواتساب

كشفت ريهام أحمد (28 سنة – القاهرة) للدستور أيضًا أن الاحتفال بعيد الأضحى قد اختلف بشكل تام عما كانت صغيرة، ففي الماضي كانت تحتفل به وسط الأهل والأقارب، منذ ليلة الوقفة وحتى أخر أيام العيد، فحتى الذبح كان يتم وسط الأهل كبارًا وصغارًا، أما الآن ومع تسارع وتيرة الحياة وانشغال الجميع بأمورهم الخاصة، اقتصر الاحتفال بعيد الأضحى على الصلاة ثم انتظار الوالد لحين الانتهاء من ذبح الأضحية عند الجزار ثم جلبها لنا لتكييسها ومن ثم توزيعها، وبعد ذلك نبدأ في السفر مع الأسرة إلى الساحل الشمالي للاستمتاع بإجازة هادئة بعيدًا عن الزحام، مع الاكتفاء بالمعايدة على الأهل والأصدقاء هاتفيًا أو برسالة على الواتساب.

الحرص على بعض العادات

عبر أحمد مراد (35 سنة – الجيزة) أيضًا عن رأيه في الاحتفال بعيد الأضحى الآن ومدى اختلافه بالاحتفال به قديمًا قائلًا أنه في السابق كان يحتفل بعيد الأضحى مع عائلته حيث وتبدأ هذه العادة بالتجمع العائلي على إفطار يوم عرفات مع الحرص على تناول المعكرونة واللحم ثم تحضير فيلمًا للتجمع ومشاهدة سويًا في سهرة “ليلة الوقفة” وبعد ذلك الصلاة والذبح ثم العودة إلى المنزل للنوم لحين انتهاء نساء العائلة من تكييس اللحم ومن ثم يصطحبنا والدي وأشقاؤه إلى الشوارع لتوزيعها ثم العودة لتناول الفتة ثم الخلود إلى النوم، وفي اليوم التالي وحتى الانتهاء من العيد، يتجمع الصغار مع بعضهم البعض في منازلهم أو للخروج والتنزه، أما الآن فاقتصر العيد على “سهرة ليلة الوقفة” وصلاة العيد ومن ثم الذهاب إلى والدتي برفقة أبنائي وزوجته والإفطار بالفتة وقضاء اليوم معهم، وفي اليوم التالي يجتمع شباب العائلة في النادي لقضاء اليوم سويًا، أما باقي أيام العيد “فأقابل فيها أصدقائي وأصطحب أبنائي للخروج والتنزه بمفردنا أو مشاهدة التلفاز مع تناول اللب والفشار”.

ما بين الأصالة والتجديد

تعكس الآراء تنوع طرق الاحتفال بعيد الأضحى بين الأجيال المختلفة، فبينما يحرص البعض على التقاليد القديمة والطقوس الدينية والاجتماعية، يفضّل آخرون الهدوء أو الانعزال أو مواكبة العصر من خلال وسائل التواصل والسفر، ورغم الاختلافات، إلا أن روح العيد تبقى واحدة، تجمع بين فرحة اللقاء، ودفء العائلة، وبهجة المشاركة، فكل جيل يحتفل بطريقته، لكن الهدف مشترك: نشر السعادة والتعبير عن الامتنان لله على نعمة العيد، ولعلّ التحدي الأكبر اليوم هو التوازن بين المحافظة على العادات الجميلة، والانفتاح على طرق الاحتفال الحديثة التي تجذب الشباب وتلائم نمط حياتهم العصري.