زيارة إلى دولة صديقة: انطباعات إيجابية حول الانتخابات في فنزويلا!

بدعوة كريمة من “حزب فنزويلا الاشتراكي الموحد”، شاركت مجموعة من ممثلي الأحزاب المصرية، كان لي الشرف أن أكون أحدهم، في متابعة وقائع الانتخابات التي جرت في فنزويلا يوم 25 مايو الماضي، لاختيار حُكَّام الولايات الفنزويلية، وعددها 24 ولاية، وكذا في المنافسة على مقاعد النواب في الجمعية الوطنية، وعددها 285 مقعدًا، وقد كانت معركة الانتخابات حامية الوطيس، شارك فيها 54 حزبًا ومنظمة سياسية، جلّها من الجبهات المُعارضِة، وتنافس فيها أكثر من ستة آلاف مرشح على نيل الحظوة الشعبية، وانتهت إلى فوز “الحزب الاشتراكي الموحد” فوزًا كاسحًا، حيث نال ثقة الجماهير في 23 ولاية منحت أصواتها لمرشحي الحزب، كما فاز بأغلبية أصوات النواب في الجمعية الوطنية أيضًا.
أهم ما لفت النظر في الانتخابات الفنزويلية ونتائجها هو شفافية هذه الانتخابات، وإجماع كل الآراء على نزاهتها وعدم العبث بنتائجها، لأسباب عديدة، منها سببين رئيسيين:
أولهما: أن هذه الانتخابات كانت محل مراقبة عالية المستوي من جهات غربية ودولية عديدة مُناهضة، أو على أقل تقدير ليست صديقة للنظام اليساري الحاكم في فنزويلا، بسبب ارتباطها بدول وهيئات مُتضررة من النظام الاشتراكي الفنزويلي، الذي ينتمي إلى النظم الوطنية المُعادية للهيمنة الإمبريالية، والذي سبق له الدخول في معركة ضارية ضد الاحتكارات العالمية، والأمريكية والبريطانية أساسًا، وتلك الخاصة باستخراج النفط وتكريره وتوزيعه، وعلى رأسها احتكار “ستاندرد أويل” الأمريكي، و”رويال داتش شل” (البريطاني ـ الهولندي)، والتي لم تغفر، ولن تغفر، هي وحكوماتها، بماضيها الاستعماري الشرس، لفنزويلا وشعبها ونظامها الثوري الحاكم، حرمانها من مصادر النفط ذات الاحتياطي الأكبر في العالم كله، وهي لم تتوقف للحظة عن العمل، بشتى الوسائل، من أجل استعادة سيطرتها الماضية على ثروة فنزويلا النفطية والمعدنية الهائلة (ومنها الذهب على سبيل المثال)، بما في ذلك تدبير محاولات الانقلاب والتمرد والشغب لإسقاط النظام واستعادة الوضعية البائدة، ثم كان فرض الحصار الشامل على فنزويلا، لأكثر من ربع قرن، مثلما حدث مع كوبا، والعراق، وإيران، وسوريا، وغيرها من البلاد والنظم المناوئة للهيمنة الأمريكية، أو الطامحة لبناء وطني مُستقل ومُتقدم. وهذه الجهات المتربصة، لما تقدّم، مُهيئة لاستغلال أي تجاوز ولو بسيط أو هامشي في مسيرة الانتخابات للتشهير بالنظام، ووصم العملية برمتها بالفساد والتزييف، وهو مالم يتيسر لها بأي صورة من الصور.
أمّا السبب الثاني فكان استخدام وسيلة التصويت الإليكتروني التي يتعذر تزييف إرادة الناخبين في ظل وجودها، وحسب مُعاينة مُباشرة ففي هذه الوسيلة الحديثة يتم، وبسرعة ودقة وإحكام، التأكد من شخصية الناخب، عن طريق بصمة الإصبع وصورة الوجه، وعرض أسماء المرشحين المتنافسين، على شاشه إليكترونية، لكي يختار الناخب اسم مُرشحه، ثم يستلم بيانًا مطبوعًا دقيقًا موضحٌ فيه وقت التصويت، واسم الناخب، واسم المرشح المُختار، وفي ذات اللحظة يضاف الصوت إلى النتيجة الكلية للأصوات التي حازها المرشح على المستوى الأوسع، دون تدخل في عملية فرز الأصوات، أو أدني احتمال للعبث بمحتويات الصناديق، أو التزوير في نتائج عملية الفرز!
أمّا لماذا صوتت الأغلبية الشعبية للحزب الحاكم على نحو ما بينت نتائج الانتخابات فيعود إلى طبيعة المعركة الضارية التي تخوضها فنزويلا ضد الاحتكارات الأمريكية والشركات عابرة القوميات، والتي ترتب عليها الإضرار الشديد بالمصالح الوطنية الفنزويلية، وتفاقم أوضاع الفنزويليين جراء الإجراءات الاحتكارية لتجويع الشعب الفنزويلي، والتآمر لإسقاط النظام الوطني بالعنف والتواطؤ، مع الفئات التابعة الداخلية وبعض الدول المجاورة الخاضعة للنفوذ الإمبريالي، وإدراك الجماهير بأن هذه الجهات المهيمنة لا تريد لها الخير، ولن تتخلى عن أطماعها في مُقّدرات البلاد، وأنها تُعاقب الشعب كله لأنه أراد أن يسترد ثرواته المنهوبة، وأن يستفيد من خيراته المسلوبة لتحقيق الازدهار لأبناء الوطن.
ولعل أقرب مثال على هذا السلوك، هو الشعبية الجارفة التي نالها النظام المصري بقيادة الرئيس “جمال عبد الناصر”، في أعقاب تأميم قناة السويس عام 1956، والتي وحّدت بين الشعب والسلطة في مواجهة المعتدي، ومنحت النظام شعبية جارفة لاعتبارها أنه يُجسد أحلامها وتطلعاتها، ويدافع عن الحقوق الوطنية والكرامة القومية، في مواجهة “الاستعمار وأذنابه”، وقد كان للرئيس “جمال عبد الناصر” مكانةً خاصةً لدي الرئيس الفنزويلي الراحل “هوجو تشافيز”، الذي كان دائم الإشادة بالرمز المصري الكبير. وقد زرنا في أحد شوارع “كاراكاس”، العاصمة الفنزويلية، النصب التذكاري للرئيس المصري، الشخصية التي تحظى بالتوقير والاحترام.
وقد لفت نظري، فيما يخص “حزب فنزويلا الاشتراكي الموحد” الحاكم، ظاهرتين متكاملتين، رغم أنهما تبدوان، للوهلة الأولى، متناقضتين! وهاتان الظاهرتان متمثلتان في الحضور الكبير للشباب في جميع مراتب الحزب من القاعدة للقمة، وكذا تواجد أعداد ملحوظة من الشيوخ والمُسنين، جنبًا إلى جنب.
ويعود هذا الأمر إلى تجاور الأجيال الكبيرة من كوادر وأعضاء الحزب من جيل التأسيس، مع الأجيال الشابّه، ففي عهد الرئيس السابق “هوجو تشافيز” تأسس الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي (Partido Socialista Unido de Venezuela – PSUV) في 24 مارس 2007، وضم أجيالًا من المناضلين، صاروا كهولًا الآن، بعد نحو عقدين من السنين من ولادة الحزب، بينما تم تربية أجيال جديدة من الشباب، دعموا صفوفه، ولذا كان معظم مَن شاهدناهم من مُرشحين لحكم الأقاليم أو لعضوية الجمعية الوطنية، أو حتى في إدارة جهاز الدولة، في شرخ الشباب، ففنزويلا التي يبلغ عدد مواطنيها 35 مليونًا، يمثل فيها الشباب تحت 35 عامًا نسبة تقترب من 60 بالمائة من المواطنين.
كذلك فقد لفت انتباهنا الدور الكبير الذي تلعبه المرأة الفنزويلية، سواء في العمل لكسب الرزق، أو في النشاط السياسي والعام، وهو أمر طبيعي في ظل الشعارات التي تُعلي من قدر المرأة، وتنادي بالمساواة بين الجنسين.
ويبقى أن أُشير إلى ظاهرة لافتة في الشارع الفنزويلي، وخاصةً في المناسبات والاحتفالات العامة، ألا وهي الاحتفاء برفع العلم الفلسطيني والتلويح به، وارتداء “الحطة” أو “الكوفية” الفلسطينية الشهيرة، ليس وحسب بالنسبة للمواطنين العاديين وأصحاب الجنسية العربية، وإنما حتى بالنسبة للمسؤولين الكبار ورموز الدولة والمجتمع، ومنهم رئيس الدولة “نيكولاس مادورو” الذي طالما ردد عبارات التأييد المخلص للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في الوطن السليب والمستقبل المأمون، مع العلم أن “فنزويلا” قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في 15 يناير 2009، وذلك احتجاجًا على الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في 2008- 2009.