ساعتان في غزة

فجأة وجدت نفسي في غزة وسط فوهات المدافع وتحت قصف الصواريخ، أهرول يمينًا ويسارًا أبحث عن مكان آمن للاختباء به، وسط صراخ هستيري لإنقاذي من هذا الجحيم الذي حاصرني ولا أدري ما الفرار منه؟.
التفاصيل أتذكرها جيدًا، تشبثت بذاكرتي المهترئة وتمر أمام عيني كأنني أشاهد فيلمًا سينمائيًا، لكني لم أستطع تجاوز ذلك الحلم الذي أقلق منامي لمدة ساعتين هما مدة نومي في ليلة من الليالي، وكأن الأمر لم يكن حلمًا عابرًا بل واقعًا مريرًا نهرب منه بتجاوزه ولا نريد التحدث عنه.
أخبار غزة تحاصرني كل دقيقة، فما بين أخبار أنشرها بيدي، وأخرى منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أخبار الشهداء باتت تمر على عيني بشكل عادي، وكذلك أخبار منع المعونات الإنسانية، وأخبار المأساة الإنسانية التي يعانيها أهالي القطاع، فجأة تعودت فكان التذكير السريع أنني وجدت نفسي وسط ذلك حتى ولو كان حلمًا.
استيقظت بعد لفظت أنفاسي مرة أخرى وكأنني نجحت في الفرار من الموت، وسألت نفسي لماذا لم أستطع تحمل حلمًا عابرًا أتى في جنح الليل المظلم؟، فوجدت الإجابة فورًا بأن الله يصطفي بشرًا لتحمل الآلام والصعاب، يعلمهم فيبتليهم ويعينهم على البلاء ليجازيهم بما هو أهل له، لكني لم أصل إلى ربع إيمان هؤلاء الصابرين.
رسالة بعلم الوصول أتت إليّ بعد أن ألفت الكارثة هناك بأن لا تنسَ، مهما مر الوقت ومهما كانت الظروف، اذكرهم في صلاتك وحضرك وسفرك، لا تمل من الحديث ولا تعتد المشاهد، وكن معهم بما تملك.
رسالة بعلم الوصول، تقول لي إنه مهما تقرأ وتسمع وتشاهد عن حال هؤلاء، فالواقع أصعب ولا يستطيع بشر تخيله وتحمله، فلا طعام ولا شراب ولا حياة أصلًا وسط انشغال العالم برسوم ترامب الجمركية وحرب باكستان والهند التي اندلعت 4 أيام فقط فتسابق العالم لإيقافها، وهدنة روسيا وأوكرانيا التي يتبارى الجميع لإتمامها، لكن عند الحديث عن غزة وأهلها تجدهم في سبات عميق.
إن كان لي من رجاء وأمنية، فأتمنى وأرجو الوصول إلى هدنة دائمة في قطاع منكوب لم يعد صالحًا للحياة بعد أن دمره احتلال غاشم على مدار أكثر من عام، ورغم ذلك أهله متشبثون بالحياة والأمل ليعطونا مثالًا في التضحية والفداء والصبر ونحن لا نملك لهم إلا الدعاء قلقون حتى من حلم لمجرد أننا تخيلنا أنفسنا مكانهم.