رحلة جديدة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم

ما كان حديثا يفترى، ما طلعت شمس الدنيا على أحد خير من محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أنا من المبهورين والمعظمين برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الذي اختاره الله لتكون آخر الرسالات على يديه، ويكون هو كذلك آخر الأنبياء، فيكفينا فخرًا وشرفًا أنه خلص أمة ذليلة همجية دموية من مخالب شيطان العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، كان هذا بعض مما قاله الأديب والكاتب ليوتولستوي في كتابه، واصفًا النبي محمد صلى الله وعليه وسلم، أعظم شخصية في التاريخ.
ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقة خرزات نظمن يتحدرن، ربعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، وله رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند، وصف أم معبد للنبي صلى الله عليه وسلم عندما طلب منها زوجها وصف الرجل الذي حل بخيمتهم وقد حلت البركة والرزق الوفير بمقدمه.
زيارة جديدة للحبيب.. محمد رسول الله
وما استحق أحد أن تجهد الأقلام في خط فضائله كما استحق هو، والمنصف سيرى أن الأقلام تأخذ ريها من الحديث عنه ونورها من قص خبره وهداها من تأمل سيرته، وحري بالمرء أن يكتسب خبرة السائرين قبل القدوم على أمر جلل، وهذا ما فعله العزيز أحمد الدريني حين أراد الزيارة لدوحة السيرة المحمدية، فقد طاف العالم شرقًا وغربًا، وجلس إلى العلماء والسادة، واستمع للمحبين قلوبهم قبل نشيدهم العذب، وقرأ للأدباء، وخص منهم العقاد والعميد والحكيم، فتشرب معاني الإجلال، ورعا نبتة الحب الكبرى، وأقبل يرتوي من فيض المعاني البكر والعزة المشرقة والخلق العظيم والروح الكامل والرحمة المهداة والنعمة الأجل والنور الأوفى.
بلغة أدبية عالية، عذبة رقراقة، تحاكي الشعور الدافق والحب الفياض، يعرض لنا الدريني لمحات من سيرة الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه مع وقفات تحليلية نجحت في التخلص من جفاء التحليل وثقل لغته لتبقى في ذات المدار العلوي الذي يطوف فيه الكتاب ليكشف عن جوانب عظمة هذا النبي الأجل.
إن أهم ما يميز عمل الدريني هنا هو تسخير لغته كي تستطيع الارتواء من فيوضات السيرة ومواقفها، فقد جعل السيرة كسحابة مبهجة يحاول نصه بناء الوصل معها ليمتح من عذوبتها وروعتها، فتحررت لغته من وظيفة الرؤية لتدخل إلى عالم الوصل والمشاهدة على التحقيق.
إن المتن السيري مفتوح الأثر، يحتاج في كل زمن إلى قلم أديب ومفكر، كي يكشف عن معانيه ويجلي لنا أسراره، وهنا نجد المواقف التي سمعناها مرارًا وتكرارًا تثير دهشتنا من جديد مع تناولها من زاوية جديدة.
إن السيرة تعرض هنا بتقنيات سردية نشطة ومتفاعلة، تحرر المتن من زوائد الشرح، وتتدفق به في عذوبة إلى الوجدان قبل الأذهان، يوظف الدريني مهارته السردية في التعبير عن وجدانه المفعم بالشخصية الموصول بنورها.
إنها زيارة جديدة، في زمن وصل جديد، ومقاربة جديدة تنتصر لعظمة النبي الإنسان، وأعذبها ما يكون من هدي الحبيب ونوره.