الحج إلى منطقة نجد!!

بالعودة لكتاب «رحالة بريطانيون – من أكسفورد إلى جزيرة العرب»، لمؤلِّفه الباحث والمؤرِّخ المصريِّ «عرفة عبده علي»، تكلَّم المؤلِّف عن كتاب بعنوان: «الحج إلى نجد»، الذي يمثِّل ذروة اهتمام الزوجين «الليدي آن وولفريد بلنت»، وولعهما بالبدو والحياة البدويَّة، باعتبارها خزانة الثقافة العربيَّة الأصيلة بمختلف مكوِّناتها.
الكتاب بجزءيه، هو أول وصف تفصيلي دقيق عرفته أوروبا لجنوب بادية الشام وشمال نجد، وهو أول محاولة أوروبية لرسم خريطة للمنطقة التي غطتها الرحلة، ووصف سكانها وعادات قبائلها، اعتمادا على اليوميات التي درجت «الليدي آن» على تسجيلها طوال رحلتها من دمشق إلى نجد برفقة زوجها «ويلفريد بنت» في العام 1878م.
كان «ولفريد بلنت» قد قضى وحده قبل أربع سنوات بعض الوقت في الصحراء، وتعرَّف -لأوَّل مرَّة- على البدو، كان من بينهم رجال من قبيلة شمر، وكان مفتونًا بجمال ورشاقة الخيول العربيَّة.. وفي هذه المرة أراد اختراق منطقة النفود برفقة زوجته «آن بلنت» إلى حيث المراعي بعد حائل التي اشتهرت بخيولها العربيَّة الأصيلة.. بعد أربعة عشر يومًا من مغادرتهم دمشق، وصلوا ومرافقوهم وأبرزهم ابن شيخ «تدمر» في السابع والعشرين من ديسمبر عام 1878م إلى قرية الكاف، القرية الصغيرة التي لها طابعها الخاص المختلف عن أيِّ شيء يشاهده المرء في دمشق، وقد عبَّرت عن إعجابها عن سكان القرية، وفي وصف الاستقبال الحافل الذي لقوه من شيخ القرية «عبدالله الخميس».
لقد سافرا (هي وزوجها) دون اللجوء إلى الحيلة، بل أعلنا أنَّهما يمارسان هواية الرحلات والاطِّلاع، وتعتبر الليدي «آن بلنت» أوَّل سيدة أوروبية تقوم بمثل هذه الرحلات، لتبدأ رحلتهم على نجد.. لقد كان «ويلفريد» وزوجته ممَّن ساهما في تعزيز المنظومة العلميَّة الغربيَّة عن صحراء العرب والقبائل التي تسكن فيها، بفضل ما قاما به من وضع التصاميم والخرائط التي أنجزاها عن المنطقة بين حائل ونهر الفرات، والتي جعلت الأقسام الشماليَّة من جزيرة العرب معروفة تمام المعرفة، ومدوَّنة على الخرائط.
تكوَّنت لدى «الليدي آن» بصفة خاصة خبرة ومعرفة شاملة بحياة البدو، وضَّحت معالمها في كتابها «الحج إلى نجد» والذي تم إعداده تتويجًا للنشاط الاستكشافي لجزيرة العرب، وحياة البادية في ذلك العصر.
في الكتاب تحدَّثت من واقع خبرتها بالخيول عن أنواع الخيول العربيَّة، وقدَّمت وضعًا دقيقًا لأجسامها وألوانها وأساليب تربيتها وتدريباتها، وأصالة وندرة خيول «نجد».. وقد جاءت مذكرات «آن بلنت» التي لا تزال تُعدُّ من أهم المصادر التاريخيَّة عن تلك الفترة: لوحة أدبيَّة رائعة تختلف عن أساليب الرحالة الرجال، من حيث العاطفة والإثارة ودقة التصوير.. لقد حملتنا ما خطته عن رحلتها برفقة زوجها برشاقة لمعايشة الأحداث على الرغم من تباعد الزمان.