«يا حلاوة الإيد الشغالة»

«يا حلاوة الإيد الشغالة»

رسالة عمال الطوب إلى الرئيس: مظلة نقابية للحماية من نيران الأفران

«عبدالكريم»: سير ماكينة الطوب «أكل» قدمى اليمنى.. ولم أتزوج بسبب إعاقتى

عامل تشوين: نذوق عذاب النيران من أجل لقمة عيش «حلال» لأبنائنا

«حليم»: لم أفلح فى المدرسة فاكتسبت «صنعة» لمساعدة والدى.. وحلمى بناء بيت لعائلتى

«نصر الله»: ننتج ربع مليون «طوبة» مقابل 300 جنيه.. وخمسة أبناء يأكلون من اللحم الحى

«عيد»: حالنا لا يخفى على مسئول فى البلد.. و«نعيش على الفتات»

«أبو حبيب»: تعرضت لحادث وكسرت قدمى.. وصاحب السيارة ألزمنى بدين 240 ألف جنيه

 

 رجال مصانع الطوب.. وجوههم تتشابه ظروفهم منكوبة، لسان حالهم «الحمد لله على كل شىء».. منازل غير آدمية وأجور ضعيفة وبيئات عمل قاتلة، وأكوام من اللحم فى رقابهم.. يواجهون الحياة فى بسالة، رغم رفقة الفقر والعوز والمسئولية الشاقة، فهم رجال لم يرضوا سوى بحلال الله لإيواء ذويهم حتى لو كان المأكل «عيش حاف» والملبس «خيش». 

تصاحبهم الفكاهة رغم الظروف.. الضحكات لم تفارق وجوهم، حتى العابس منهم يوارى ابتسامته، هم لا يعرفون الشكوى أو التذلل، وحديثهم معنا من باب: ماذا نفعل فى القادم، وما المصير النهائى لنا، كل طموحاتهم أن يكون لهم نقابة خدمية فهم لا يرغبون فى منح وقتية، ولسان حالهم يردد «ارواحنا على الكف» فمن يعول أسرنا؟، وكل ما يريدونه مصدر دخل شهرى يستعينون به على مصاعب الحياة وتربية أبنائهم. 

بالتزامن مع احتفالات الدولة بأعياد العمال خلال شهر مايو، التقت «تواصل» عمال مصنع «طوب» الجزيرة فى قرية جرزا أقصى مدينة العياط، للوقوف على الأوضاع المعيشية القاسية للعمال مقارنة بالمقابل المادى المتردى فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التى ألقت بظلالها على جموع فئات الشعب المصرى، والحديث حول أحلامهم وتطلعاتهم المستقبلية والمأمول والمنشود من الحكومة والدولة المصرية خلال الفترة المقبلة. 

يروى سيد «عامل تشوين» أنه يستيقظ فى ظلام الفجر مترددا بين رغبة فى الكسل والنوم ومطرقة الحاجة والعوز وستر الأبناء. ويضيف: استمررت فى العمل بمصانع الطوب على هذا النحو قرابة العشرين عاما حتى الآن، اتكاسل يوما ويفزعنى حاجة ابنائى وجوعهم فأُوقظ الهمة فى صدرى مع كل يوم جديد، لقد فطر جسدى من العمل الشاق مقابل بعض جنيهات لا تغنى ولا تسمن من جوع. 

 

مصانع الطوب فى الصيف

وعن العمل فى مصانع الطوب خلال فصل الصيف، يتأفف «سيد» وكأن نيران أفران الطوب لفحت وجهه خلال حديثه معنا، قائلا: العمل أمام افران الطوب خلال الصيف «هلاك» نحن نذوق نيران الآخرة من أجل لقمة تسد أفواه البطون الجائعة فى بيوتنا بالحلال. 

ويواصل: الــ100 جنيه التى أعمل بها فى المصنع تستر بيتى وابنائى من العوز ومد الأيادى، وأحيانا نأتى فجرا للعمل فى المصنع ونفاجأ بأن المصنع متوقف، نعود إلى بيوتنا جيوبنا خاوية وأيدينا بيضاء، عملنا بالانتاج على قدر الانتاج يكون حساب اليومية، رزقنا يوما بيوم، وإذا اختلفت مع صاحب مصنع أو لم تكن على هواه يسرحك. 

التأمين

وشكا «سيد» من أن عمال الطوب ليس لهم تعيين أو تأمين، فهم عمالة يومية مؤقتة، كل يوم فى مصنع جديد، وعندما يصاب العامل أثناء عمله، فإن «علاجه» على الله، ومعنا زملاء لنا حدثت لهم اصابات وكسور وهم الآن فى فراشهم، كفيلهم الله، ولا أحد يستطيع اجبار صاحب مصنع على دفع مصاريف العلاج أو التكفل به لحين شفائه، إلا من رحم ربى. 

مظلة نقابية

وتمنى «سيد» أن يتم إدراج عمال مصانع الطوب تحت مظلة نقابية عمالية تصون حقوقهم وتضمن لهم معاشا اجتماعيا وصحيا، يحفظ ماء وجوههم فى شيبتهم، ككل عمال مصر، فالعمالة غير المنتظمة حقهم ضائع فى هذا البلد، وهم النسبة الأكبر من شعب مصر، وعلى اتحاد عمال مصر تدشين نقابة خدمية لعمال الطوب رأفةً بأحوالهم، فمن غير المعقول أن يصاب العامل داخل مصنع أثناء العمل ثم يُزج به إلى الخارج كأنه نكرة، نحن بشر من لحم ودم مثلكم تماما. 

وحكى عن زميل لهم أُصيب أثناء العمل بجرح قطعى فى شرايين ذراعه اليمنى، فطلبنا من صاحب المصنع أموالا لشراء غيارات وشاش ومضاد حيوى فما كان منه الا ان قال «اشتروا له انتم»، وتم نقله إلى المستشفى وخياطة الجرح على حسابنا نحن العمال.

رجاء وأمل فى الرئيس

وختم «سيد» حديثه لـ«تواصل»: والله لن تجد شعبا يعشق بلده مثلنا على هذه الأرض، وكل ما نرغب فيه أن ينظر إلينا الرئيس نظرة رأفة بأحوالنا، نحن لا نرغب إلا فى العيش بكرامة وتربية ابنائنا بما يرضى الله، نظرة على أحوالنا لم يعد لدينا القدرة على مجابهة هذا الغلاء وقطار الأسعار الذى لا يتوقف مع قلة الشغل، ورجاؤنا أن يقف بنا هذا الغلاء، فهو كبيرنا وأبونا ونحن ابناؤه وليس لنا غيره بعد الله. 

حليم 15 عاما

لم أفلح فى المدرسة وغضب أبى، ورغم محاولاته المريرة لإكمال تعليمى، لم أنجح فى الحصول على الشهادة الإعدادية، هكذا كانت كلمات «حليم 15 عاما» فى أول حديثه معنا: «وعندما تيقنت أن لا أمل فى أن يفتح الله على عقلى بالعلم، قررت أن أحمل مسئوليتى عن كاهل أبى، فاقترحت عليه أن أعمل فى مصنع الطوب لأتعلم صنعة، بالفعل انضممت إلى عمال المصنع منذ عام ونصف العام، فوالدى أيضا يعمل فى المصنع نفسه». 

ويحكى «حليم» عن أسرته الصغيرة ضاحكا: لى أربعة اشقاء ولدين وفتاتان، شقيقى الأكبر اشرف 20 عاما، عامل نظافة فى مستشفى مجدى يعقوب، والشقيقة الكُبرى تعمل فى مشغل «خياطة» حتى تُجهز نفسها للزاوج، واخواتى صغار، أما والدتى فهي نوراة بيتنا. 

ويستكمل حليم حديثه عن أسرته: الصنعة قد تفتح لى أبوابا أخرى للعمل غير هذا المصنع، اضافة إلى معاونة والدى على معايش الحياة الثقيلة بعدما كبر فى السن، وفشلت فى الدراسة، حدثتنى نفسى بمساعدة والدى خاصة أن صحته لم تعد كما كانت فى شبابه، فعمل مصانع الطوب يُشيب الرجال دون شيب. 

وعن أحلامه فى المستقبل، يحكى حليم أن منزلهم من خشب ووالده ذاق الشقاء من أجل شراء هذه الأرض، وكل ما نرغب فيه أن نبنى بيتا بالطوب الأحمر، ويتزوج اخى واختى الكُبرى.

ربع مليون «طوبة» مقابل 300 جنيه

ويحكى احمد نصرالله «48 عاما»، أنه يعمل فى مصانع الطوب من عمر 13 عاما، وهو الآن رئيس عمال المصنع ويلاحظ ويتابع العمالة، وتبدأ وردية العمل من السادسة صباحا حتى الخامسة مساء، واليومية بالانتاج، ويحسب انتاج الف طوبة بـ 6 جنيهات، ومن المفترض ان ننتج ربع مليون طوبة يوميا حتى نرجع إلى بيوتنا بــ 300 جنيه يومية.

ويضيف أن اليومية لا تكفى البيت «عيش حاف» وما يحدث أن الأمور تسير وفق ما كتبه الله لنا، وأكلنا فى البيوت مثل أغلب المصريين فى القرى، واللحوم والدواجن على حسب فرج ربنا. 

ويتابع «نصرالله»: لديَّ خمسة ابناء أكبرهم يعمل فى الخراطة والآخر يعمل معى فى المصنع، وثلاثة فى مراحل التعليم المختلفة، ولو أن الظروف ساعدتنى لألحقت كل أبنائى بالمدارس ولكن ما باليد حيلة، نعمل ورزق يوم بيوم، وفى حال توقف المصنع بضعة أيام نحرث الأرض لدى الفلاحين، وإن لم نجد عملا نكون فى معية الله. 

سير ماكينة الطوب «أكل» 

ويروى «عبدالكريم» أنه تعرض لحادث منذ عامين، حيث أكل سير ماكينة الطوب سمانة قدمه اليمنى، وأجرى عملية ترقيع وتركيب مسمار نخاعى حتى يتمكن من الوقوف على قدمه مجددا، والحق يقال إن صاحب المصنع تحمل 100 ألف جنيه تكاليف العملية، إضافة إلى إرسال شهرية بشكل دائم خلال فترة مرضى.

ويشير «عبدالكريم» إلى أن عمال الطوب ليس لهم تأمين لأنه عمل غير دائم، وعلى حسب طلبيات المصانع «يوم شغال وعشرة فى المنزل»، وأغلبهم لا يتحملون علاج اصابات العمل، إلا من رحم ربى، وهناك اصحاب مصانع يقولون من يرغب فى التأمين يُؤمن على نفسه أو يخصم من اليومية مقابل التأمين.

وعن سبب عودته إلى العمل نفسه رغم الاعاقة التى نتجت عن الإصابة، يقول: ماذا نفعل؟ هذه وظيفتى ولا اعرف غيرها، ورغم ذلك لم اتزوج واصبحت اعاقتى سببا فى تغيير نظرة الناس لى، فبت «أعرج» الآن، ومن تقبل الزواج بـ «أعرج»، وان وجدت ابنة الحلال فأين المال والسكن؟. 

ويواصل حديثه عن عدم كفاية «الأجر» مقابل العمل الشاق فى مصانع الطوب: «اليومية تشترى نصف كيلو لحمة بالعافية، استغنينا عن الأكل والشرب وكل أملنا تفضل مستورة».

 

حالنا لا يخفى على المسئولين

وتحدث عشرى عيد 42 عاما، وهو مقتضب الجبين ساخطا على كل الأمور من حوله: لديَّ 4 أبناء نواجه قسوة الحياة والظروف والحاجة بالاستعانة بالله.. ونقل الطوب من على سير الماكينة عملى منذ 30 عاما، واليومية حسب الانتاج، واليوم الذى تصيبنى وعكة فيه مهما بذلت من جهد فى العمل لن أحصل سوى 150 جنيها.

ويؤكد عشرى، أنه لم يقدر على تعليم ابنائه، ويسكن بيتا مثل أغلب بيوت الفلاحين، وكل هذا الشقا من أجل لقمة عيش حلال. ويضيف: لم يعد لدينا طموح فى بناء منزل أو تحسين الأحوال، أرزاقنا على الله، نحن نحيا على الفتات، وليس لديَّ خطط للمستقبل «عايشها مثل ما يُريد الله».

 

مدين بـ 240 ألف جنيه 

ويروى ابو حبيب «33 عاما، متزوج ولديه ولد» أنه يعمل فى تشوين الطوب على الجرارات بالانتاج، يوما نحمل ثلاثة جرارات 180 الف طوبة على ظهورنا، ويوما نحمل جرارا على حسب تساهيل الله، صاحب المصنع يبيع ألف طوبة بألف جنيه ونحن نحمل الألف بــ 6 جنيهات، ونرجع بيوتنا بــ 250 جنيها، ولو على الشغل لن يكفى أكل العيش حاف لكن ربك سترها. 

ويضيف «أبو حبيب» ربنا قدر لى شدة والحمد لله راضى وشاكر فضله، وبعد أن تعرضت لحادث سير أثناء قيادة «جرار نقل» على طريق البحيرة، ورغم أنّى أجريت عملية جراحية فى قدمى « تركيب شريحة ومسامير»، لم يُساعدنى صاحب الجرار بجنيه، وأصر على تحميلى تكاليف التلفيات التى لحقت سيارته، وقدرها بمبلغ 240 ألف جنيه، وأخذ شيكات بالمبلغ، ولم تنفع معه أى وساطة أو تفاوض لتخفيض المبلغ، وكل ما فعله أنه سمح لى بتقسيط المبلغ على دفعات، وحتى مجرد الرأفة بحالى بعد إصابة قدمى وتأثرها لم تأتِ منه، لنا الله.