العلاقات بين مصر وإيران: تحليل التوازن الاستراتيجي

فى ظل تنامى التحديات الإقليمية والدولية، وتأثيراتها المُباشرة وغير المُباشرة على الأمن القومى المصري، تواصل مصر تعزيز قدراتها وترتيب أوراقها وفق سياسية التوازن الاستراتيجى التي تنتهجها بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
سياسة مصر الحكيمة، تنطلق من ثوابتها التاريخيّة، التي تحافظ على استقلال القرار الوطني، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، والتعاطى الفعال مع تقلبات ومتغيرات خريطة التحالفات الدولية، بأوراق مصر السياسية المعززة للقدرة الشاملة للدولة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتنامية.تتنوع التحديات المتصاعدة فى الأسبوع الأخير، ما بين الصراعات المسلحة عالميًا وإقليميًا، إلى التهديدات على محاور مصر الاستراتيجية خاصة الاتجاه الشرقى، مع مواصلة الاحتلال الإسرائيلى عدوانه على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، وانتهاكاته بالمسجد الأقصى، إلى مواصلة مخطط التهجير، والتصريحات غير المنضبطة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلى حملات التشويه الإعلامى الممنهج بمجلة الإيكونوميست البريطانية. إلا أن الواقع العملى يحمل ردًا قاطعاً، مؤكدًا أن السياسة المصرية التي تنتهج التوازن الاستراتيجى، فى علاقاتها الدولية والإقليمية، تعزز من قدرة مصر الشاملة على مواجهة التحديات، وتعاظم الدور الإقليمى فى الحفاظ على محددات الأمن القومى الوطني والعربى ودعم إحلال السلم والأمن الدوليين.الثلاثاء الماضى استقبل السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي فى لقاءين منفصلين وزير الخارجية الإيرانى “عباس عراقجى”، و«رافاييل جروسى»، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحضور الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين فى الخارج، والسيد اللواء حسن رشاد رئيس المخابرات العامة.وبالأمس استقبل الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الرئيس عبدالفتاح السيسى، بمطار أبوظبى الدولى، ليبحث الرئيسان بقصر الشاطئ بعد مراسم الاستقبال سبل تعزيز العلاقات بين البلدين وسبل استعادة الأمن والاستقرار بالمنطقة.اللقاءان لهما الكثير من الدلالات التي تعكس تطبيقًا عمليًا لسياسة مصر، المعززة لقدراتها الشاملة ودورها الإقليمى والدولى:١- استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى، لوزير خارجية إيران، يعكس تقاربًا فى العلاقات بين البلدين اللذين يمثلان ثقلًا إقليميًا بعد سنوات من التواصل الحذر، فقد نقل وزير الخارجية الإيرانى للسيد الرئيس تحيات وتقدير الرئيس “مسعود بزشكيان”، وهو ما ثمنه السيد الرئيس، حيث أكد الجانبان أهمية استمرار المسار الحالى لاستكشاف آفاق التطوير المشترك للعلاقات بين الدولتين.٢- تطوير العلاقات بين الدولتين، يأتى فى لحظة راهنة بالغة الخطورة، مصحوبًا بدور مصري داعم للمفاوضات الأمريكية الإيرانية للوصول لحلول سلمية بشأن البرنامج النووى الإيرانى، وهى المفاوضات التي أكد الرئيس السيسي أهميتها انطلاقًا « الموقف المصري الرافض لتوسّع دائرة الصراع، وضرورة وقف التصعيد للحيلولة دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة ستكون ذات تداعيات خطيرة على أمن ومقدرات جميع دول وشعوب المنطقة». ٣- وفى المؤتمر الصحفى المشترك، بين الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية المصري ونظيره الإيرانى، كانت الرسائل بالغة الوضوح، فقد أشار إلى مناقشة الملف النووى الإيرانى مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودعم جهود الوساطة بين الأمريكان والإيرانيين، للوصول إلى اتفاق.٤- أمن دول الخليج من أمن مصر والحرص على احترام سياسة حسن الجوار، وهذه رسالة مفادها أن التقارب المصري الإيرانى معزز للسلم والأمن القومى العربى. ٥- مصر هنا تلعب دورًا لإحلال السلم والأمن الدوليين، وتعلن تمسكها بمنطقة خالية من السلاح النووى، تدعم الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتطالب بالتزام الجميع بنزع السلاح النووى، وهذه رسالة واضحة للعالم بضرورة توقيع إسرائيل على اتفاق حظر الأسلحة النووية فهى التي تمتلك هذا السلاح.٧- دور مصر الإقليمى يتنامى انطلاقًا من قرار وطني مستقل، يدعم السلم والأمن الدوليين، بما يكذب بواقع وبيان عملى مزاعم إعلامية بمجلة بريطانية تراجع الدور المصري.٨- زيارة الرئيس الصينى المرتقبة لمصر، تمثل دفعة جديدة لعلاقات ثنائية أرحب مع قوة عالمية فاعلة على خريطة التحالفات العالمية، وهى تؤكد تنامى التأثير المصري فى ظل خريطة جديدة لتحالفات عالمية تتشكل.٩- امتلاك مصر للطاقة النووية السلمية، الجارى العمل على إنجازها، وبشهادة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنجاز كبير يعزز من قدرات مصر التنموية والاقتصادية ونقلة تاريخيّة داعمة لسياسات تنوع مصادر الطاقة.١٠- شهادات المؤسسات الاقتصادية العالمية بما يشهده الاقتصاد المصري من نمو وما تشهده البنية التحتية فى مصر من تطور يعزز الفرص الاستثمارية وينبئ بمستقبل أرحب.وهنا فإن مصر تظهر أوراقها السياسية، فى الوقت المناسب، انطلاقًا من توازن استراتيجى فى العلاقات يحقق مستهدفاتها الوطنية، المنطلقة من محددات أمنها القومى وعلى سبيل المثال:١- دعم المفاوضات الأمريكية الإيرانية للحيلولة دون تصعيد الصراع يحول دون تأثيرات بالغة الخطورة على بلدان المنطقة.٢- التقارب المصري الإيرانى مع حلول سلمية يسهم فى ردع استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وبالتبعيّة أمن الملاحة فى البحر الأحمر.٣- إيران دولة فاعلة فى التأثير على أمن الملاحة بالبحر الأحمر بعلاقاتها بفصائل مسلحة إيرانية، ومن ثم يمكن أن تسهم فى إحلال الأمن بالبحر الأحمر لخفض التأثيرات السلبية على الملاحة الدولية وبالتبعيّة عوائد قناة السويس.٤- تتنامى فرص التعاون فى مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتعاون الاقتصادى بين القاهرة وطهران.٥- وفى الوقت ذاته تعزز مصر من سُبل التعاون العربى العربى، تدعم استعادة قوة الدولة الوطنية فى الدول التي شهدت مؤسساتها تصدع الصراعات، ومع الأشقاء فى الخليج وزيارة أمس للشقيقة الإمارات العربية المتحدة نموذجًا.هذا التوازن فى العلاقات القائم على مصالح مشتركة، محسوبة الخطوات، يعزز من القدرة الشاملة للدولة المصرية، وفى مقدمتها قدرة الردع السياسى، القائم على تنوع الشراكات مع القوى الفاعلة.فمصر قادرة ولديها بدائل متنوعة، تمكنها من تعزيز صمودها فى مواجهة مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، أو محاولات التشويه بادعاء تراجع الدور الإقليمى، لا تقبل المساس بإرادتها الوطنية.مصر غير قابلة للحصار السياسى أو الاقتصادى، فلديها من التاريخ ومقومات القوة والقدرة ما يجعلها دائمًا فى الصدارة، دفاعًا عن القيم وثوابت الأمن القومى واستقلال القرار الوطني.