في عيد الأضحى.. مصر تكرم شهداءها الأبطال

ضحّوا بدمائهم وأرواحهم من أجل الوطن.. وحفاظًا على ترابه، وحمايةً لمواطنيه، دون انتظار مقابل.. فقط لأنهم تربّوا على الانتماء والولاء لهذا البلد، كى يعيش الجميع فى أمان وسلام.
يأتى ذلك تصديقًا لقوله تعالى: “ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين”، ولقول النبى ﷺ: “إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض”.وقال أبو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: “لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة”.وكانت رسالتهم التي تركوها إرثًا لأسرهم وأبنائهم من بعدهم.وفى هذه الأيام المباركة من عيد الأضحى، لم تنسَ الدولة تضحيات الأبطال وما بذلوه من دماء، فخصصت كل المناسبات ليكونوا جزءًا منها، سواء فى الأعياد أو غيرها. وكذلك كانت روز اليوسف حاضرة بين ذويهم، فالتقت بأسر الشهداء لتهنئتهم وتشاركهم مشاعر الفخر والاعتزاز.تقول أم الشهيد البطل المقدم أيمن عبد الحميد محمد كتات: “مصر ستظل شامخة ما دام فيها جنود أوفياء للوطن”.وتسرد أم الشهيد قصة حياة البطل قائلة: “ولد ابنى يوم 22 يونيو 1984، الموافق 22 رمضان، فى مدينة الطائف بالسعودية. أمضى طفولته وتعليمه الأساسى هناك، وحصل على العديد من الجوائز، فقد حفظ القرآن الكريم كاملًا بالتجويد، وكان لذلك أثر إيجابى كبير فى نشأته الدينية؛ حيث لم يكن يترك فرضًا من الفروض أو النوافل، وكان مواظبًا على الصلاة فى موعدها”.وتضيف: “عدنا إلى مصر، وحصل على الشهادة الإعدادية من المدرسة القومية بالإسكندرية بنسبة 98٪، ثم التحق بمدرسة العباسية الثانوية العسكرية، وحقق نسبة 97٪ فى الثانوية العامة، وتميّز بذكاء فائق، فكانت المعلومة تُثبت فى ذهنه من أول مرة. كنت دائمًا أحثّه على المذاكرة، خوفًا من الرسوب، رغم تفوقه، فى إحدى المرات، ترك المذاكرة وتابع مباريات كأس العالم، وكان يقول لى مازحًا: (يا ماما العبرة بالنهايات)”.تتابع: “التحق بكلية الهندسة، لكنه تركها بعد قبوله فى الكلية الفنية العسكرية عام 2001، حبًا فى الحياة العسكرية التي حلم بها منذ طفولته، وكان يعشق الألعاب النارية، والمسدسات، وبدلة الضابط”.وتستكمل: “تخرّج عام 2006، ضمن الدفعة 43 فنية عسكرية، برتبة ملازم أول فى سلاح المهندسين العسكريين، وعمل بعد تخرجه فى الجيش الثالث الميدانى بالسويس، ثم انتقل إلى الجيش الثانى – لواء كبارى بالإسماعيلية، وحصل على شهادات تقدير بسبب تفانيه، ثم انتقل إلى الواحات، ورُقِّى إلى رتبة رائد”.وعن صفاته الشخصية، قالت والدته: “كان يتّسم بالأدب الجم، يجمع بين الدين والدنيا، يحب الحياة والمغامرات، ويعشق السفر. لم يكن يترك فرصة إلا واغتنمها لاكتشاف معالم مصر أو العالم الخارجي. كان محبًا للقراءة، خاصة الروايات الرومانسية والبوليسية، والكتب التقنية فى الإلكترونيات”.“كان مرتبطًا جدًا بأشقائه رشا، وأحمد، وريهام، لدرجة أنه كان يُعد الطعام لأخته الصغيرة رغم صغر سنه، كما كان متعلقًا بأبناء أشقائه، خاصة بعد وفاة والد أختهم، فكان الأب البديل لهم. لم يغفل عن جدته لأبيه، فقد لازمها أثناء مرضها، وظلت تدعو له حتى وافتها المنية”، على حد قولها.وتذكرت والدته موقفًا مؤثرًا فى صغره:“كان عمره ست سنوات، تركناه فى السيارة بالطائف أثناء تسوقنا، فحاول قيادة السيارة، وتحركت بالفعل فى منحدر جبلي، ولولا ستر الله لكنّا فقدناه، كان كثير الحركة، يحب الاستكشاف، يفكك الأجهزة واللعب ويعيد تركيبها، واستمرت هذه العادة معه حتى الكبر”.كما تقول: “شارك ابنى فى تأمين البلاد أثناء أحداث 2011، فرغم أنه كان فى إجازة، نزل إلى الشارع لحماية المواطنين، ثم عاد إلى سيناء عام 2015، وظل بها لعامين بقلب شجاع لا يهاب الموت، إيمانه بالله كان يسبقه فى كل عمل”.وتتابع: “شارك فى حفر قناة السويس الجديدة، وفى البحث عن الطائرة الروسية، وهدم الأنفاق، وتطهير جبل الحلال، وإبطال مفعول كثير من العبوات الناسفة، وكان حاصلًا على دورات فى المفرقعات والغوص والمظلات، وتمت ترقيته ليصبح كبير مهندسى الفرقة الرابعة ورئيس عمليات اللواء 116 بوسط سيناء، ضمن قوات التدخل السريع”.وعن حياته العائلية، أوضحت: “كان متزوجًا ولديه طفل يُدعى (أسر)، لكنه لم يفرح به كثيرًا”.تتذكر والدته آخر إجازة قضاها معهم: “استمرت أسبوعًا، ولا أنسى يوم 7 يناير 2017، اجتمعنا كلنا، وجهزت الطعام الذي يحبه. اقترحت ابنتى أن نحتفل بمرور شهر على ولادة أسر، وجهزنا الحلوى والشموع وكأننا نحتفل بعامه الأول، وكان القدر قد أراد أن يُدخل السرور على قلب ابنى قبل رحيله”.وتستطرد: “فى اليوم التالى سافر، وقبل استشهاده بيومين، يوم 25 يناير، اتصلت به للاطمئنان عليه، وسألته: (نازل إمتى يا بنى علشان نحدد عقيقة أسر؟) فرد قائلًا: (يا ماما الأجواء متوترة ومش عارف نازل إمتى)… ثم انقطعت الاتصالات”.سألنا أم البطل، هل كان لديكِ إحساس مسبق باستشهاد ابنك؟فأجابت: هذا الشعور كان ملازمًا لي، لا يتركنى أبدًا، فقد حلمتُ باستشهاده قبل وفاته بأيام، حيث رأيت دبابة تنفجر وتندلع منها النيران، وسبحان الله، استُشهد ابنى بنفس هذا الشكل.ومن الغرائب أيضًا، أن والده فى يوم استشهاده كان مُصرًّا على الاتصال به مبكرًا، وكان فزعًا للغاية، فقلت له: “لماذا تتحدث مع أيمن فى هذا التوقيت؟ ماذا حدث؟” فطمأننى وقال: “مافيش حاجة، حبيت أطمئن عليه بس”. وبعدها بساعات علمنا بخبر استشهاده.وعلمتُ من والده بعد ذلك سر هذا الاتصال، حيث قال إنه رأى أيمن فى المنام شهيدًا.كان أيمن مرتبطًا بوالده كثيرًا، وكان يقول له: “ربنا يحفظك ويبارك فى عمرك علشان تربى أسر”. وكنت أتعجب من هذا الكلام، وأقول له أنا ووالده: “إن شاء الله هتربى أسر وتشوفه عريس”. فكان يرد علينا قائلاً: “إحنا بنحارب عدوًّا خفيًّا، عديم الإنسانية، لا يخشى الله، ويتّخذ من الدين ستارًا لجرائمه”.وحكى لى والده أيضًا، أنه أثناء وداعه له شعر بإحساس غريب بأنها المرة الأخيرة التي سيرى فيها أيمن، وكان هذا شعورى أيضًا، فعند وداعه ظللت أنظر إليه وأودّعه وكأنه اللقاء الأخير بيننا.تبكى بحرقة وهى تتذكر يوم استشهاده، قائلة: “استُشهد ابنى يوم الجمعة، 27 يناير 2017، بين صلاتى المغرب والعشاء، حيث اغتالته يد الغدر والخِسّة، بعد قيامه بمهمة إنسانية لتوصيل إمداد إلى زملائه العُزّل المحتجزين فى منطقة جبل الحلال، حيث كانت الأحداث هناك مشتعلة”.تضيف: “كانت هناك أوامر بعدم القيام بأى مهام بعد غروب الشمس، نظرًا لأن المنطقة تصبح فى ظلام دامس، بالإضافة إلى الأمطار الغزيرة التي تغطيها، والبرودة الشديدة. ومع ذلك، لم يَهَب ابنى وزملاؤه الموت، ولم يفكر إلا فى مساعدة زملائه، وتمكينهم من الصمود فى مواجهة أعداء الوطن”.“وأثناء عودته، انفجرت المدرعة التي كان يستقلها هو والنقيب عمرو خالد، ومعهما عسكريان، ففاضت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها”.أما عن علاقته بأصدقائه، فقالت: كان يرسم البسمة على وجوه أصدقائه فى أصعب المواقف، خاصة فى الأيام الأخيرة. وبعد وفاته، زارنى الكثير من زملائه، وكان من بينهم أناس أراهم لأول مرة. وعندما تعرفت عليهم، أكدوا لى أن ابنى كان يُساعدهم ماليًا منذ فترة طويلة، وكان يتعامل معهم بلطف ورحمة، دون تعالٍ أو كِبر.ووجّهت الأم رسالة إلى الجنود الأبطال الذين يضحّون بأرواحهم من أجل الوطن، قائلة: “ربنا معاكم، أنتم تعرضون أنفسكم للموت والهلاك من أجل القضاء على الإرهاب، وبثّ الأمن والطمأنينة فى نفوس المواطنين. حفظكم الله”.“أنتم خط الدفاع الأول، والسد العالى المنيع. لولاكم، ما كنا لنعيش فى أمان، وكنا أصبحنا مثل سوريا ولبنان واليمن. حفظكم الله ورعاكم”.واختتمت حديثها بتوجيه كلمة إلى القائد العظيم، الرئيس عبد الفتاح السيسي، واصفةً إياه بأنه: “المنقذ والبطل الذي أنقذ مصر من السنوات العِجاف. وكلنا أمل فى أن الخير قادم، وأننا سنجنى ثمار ما قمت به من مشروعات عملاقة. الشعب المصري معك قلبًا وقالبًا، ويصبّ آماله فى شخصك”.وقالت:“لقد استطاع الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يحفظ مصر، ويكفى أنه وضع خططًا لتعمير سيناء، تلك الأرض التي كانت حجر عثرة فى طريق التنمية لسنوات، والتي أهملها الرؤساء السابقون”.