لماذا يُبشّر “الشرع” العالم بـ”الفوضى” إذا لحقت بحُكمه وهل تجنيسه “المُقاتلين الأجانب” يكفي لمنع انقلابهم؟.. أمَرَ بـ”اعتقال غير أخوي” لمُقاوِمَين فلسطينيين فما الثمن؟ وهل اقترب “شُربه المُرطّبات” مع نتنياهو؟ وماذا عن انعدام عُروض “استبدال سلاحه”؟

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
يُحاول الرئيس السوري الانتقالي رفع كل راياته الجاذبة للغرب، وذلك لتثبيت أركان حكمه الذي يبدو ضعيفًا في ظل العقوبات الاقتصادية المُستمرّة، وعدم قدرته على بسط نفوذه وسيطرته على كامل الأراضي السورية، ويبدو أنه يجد في فخ التطبيع، نموذجًا أمثل للتقارب مع واشنطن، وذلك على عكس جميع أدبياته وشعاراته التي رفعها خلال زعامته لجبهة النصرة، من قتال الأمريكيين، وتحرير القدس.
المؤقت يرغب بالانضمام للتطبيع
موقع “بلومبرغ” الأمريكي، قال إن الرئيس المؤقت أحمد الشرع صرّح أنه يرغب بالانضمام الى اتفاقيات إبراهيم وفقًا “للشّروط الصحيحة”، وقال كوري ميلز، عضو مجلس النواب الأميركي عن ولاية فلوريدا والذي زار سوريا الأسبوع الماضي وكان أول مشرع أميركي يفعل ذلك منذ سنوات عديدة، إن هذه القضية طرحت خلال حديثه مع الشرع.
وقال النائب الجمهوري الأميركي ميلز، دون تقديم مزيد من التفاصيل، إنه سيسلم رسالة شخصية من الشرع إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
اعتقال مُقاومين بشكل غير أخوي
يحدث هذا، في حين أقدم نظام الشرع على اعتقال قياديين من الجهاد الإسلامي في سوريا ، بينهم خالد خالد ، المسؤول عن إدارة عمليات التنظيم الفلسطيني داخل الأراضي السورية، فيما تحدّث تسريبات نقلتها مواقع عبرية عن مُطالبته قادة الفصائل الفلسطينية مغادرة سوريا.
“سرايا القدس” الجناح العسكري للجهاد الإسلامي أكّدت من جهتها أن السلطات السورية الانتقالية ألقت القبض على الرجلين “دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة قالت لم نكن نتمنّى أن نراها من إخوة”، ودعت إلى “الإفراج” عنهما.
شروط أمريكية.. الشرع يستجدي واشنطن
هذا واحد من شروط أمريكية (اعتقال رجال المقاومة الفلسطينية) سارع نظام الشرع لتنفيذها، كأوّل بادرة على حسن نيّته، إلى جانب شروط أخرى وضعتها واشنطن منها ضمان الشرع تدمير الأسلحة الكيميائية المتبقية من عهد الأسد، وتقديم مبادرات لمُحاربة النشاط المُسلّح.
وناشد الشرع بالفعل في آخر مُقابلاته واشنطن لرفع العقوبات، قائلاً إن “الأمر منطقي الآن بعد زوال الحكومة القديمة”، وأضاف: “العقوبات فُرضت كرد على الجرائم التي ارتكبها النظام السابق بحق الشعب”، واعتبر الشرع أن بعض الشروط الأمريكية “تحتاج إلى مُناقشة أو تعديل”.
التحذير من فوضى.. ماذا يعني؟
وعاد الشرع لاستخدام أدبيات التحذير من الفوضى في بلاده، وهي ذاتها التي كان يستخدمها نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد ضمن حربه على الإرهاب، وحماية الأقليات، وكان يشكك خصومه بحقيقتها، وهي التي انتهت (الحرب) بوصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سورية بزعامة الجولاني أو أحمد الشرع.
وقال الشرع في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إن “أي فوضى في سوريا ستُلحق الضرر ليس فقط بالدول المجاورة، بل بالعالم بأسره”، ويبدو أن هذه العبارة هنا تحمل تحذيرًا، وتهديدًا من الشرع للعالم، في حال عدم العمل على تثبيته بالحكم، إلى جانب الإيحاء بعدم شعوره التام بالسيطرة، في ظل تناسل التقارير عن احتمالية اغتياله، وفشل محاولتي اغتيال، وانقلاب، أشار إليها المرصد السوري لحقوق الإنسان (معارض لنظام الأسد).
لا عُروض لاستبدال السلاح.. تركيا والوكلاء
ويبدو أن الشرع، لا يجد من يُعيره اهتمامًا عسكريًّا على الأقل حتى الآن لتسليح قواته الجديدة، بعد سُقوط الجيش العربي السوري، فلجأ للقول إلى أنه “حتى الآن، لم نتلق عُروضًا من دول أخرى لاستبدال السلاح السوري” الذي يُنتج مُعظمه في روسيا.
وبطبيعة الحال، تركيا التي أسهمت في إسقاط الأسد عبر وكلائها (الشرع) كما وصفهم ترامب، أكد الشرع أنه يجري مُفاوضات للحصول على دعم عسكري منها في المستقبل.
وقال الشرع: “تركيا لها وجود عسكري في سوريا، وروسيا أيضاً لديها وجود عسكري. لقد ألغينا الاتفاقات السابقة مع دول أخرى، ونحن بصدد تطوير اتفاقات جديدة”.
المُقاتلون الأجانب.. حجر عثرة كيف؟
وثمّة مُعضلة بالغة التعقيد تقف فيما يبدو حجر عثرة أمام الشرع، وهي تواجد آلاف المقاتلين الأجانب في صفوف قوات الشرع، وهم يتحكّمون فيما يبدو بالعباد عبر حواجزهم العسكرية في سورية، ويفرضون القوانين الشرعية على تعامل السوريين الاجتماعي فيما بينهم.
هؤلاء يُطالب الغرب الشرع بإبعادهم، ولكن على العكس جرى تعيينهم في مناصب داخل الحكومة الجديدة، ما يمنع إزالة العقوبات تمامًا.
انقلاب وانتقام من الشرع
أحمد الشرع تقول “نيويورك تايمز” في ذلك السياق إنه يواجه معضلة؛ إذ يجب أن يُرضي هؤلاء المقاتلين كي لا ينقلبوا ضده أو ينفذوا عمليات انتقامية داخل البلاد.
(المُقاتلون الأجانب) هذه المُعضلة قد تتقاطع مع تحذيرات الشرع من أي فوضى قد تقع في سورية، فأي تهميش لهؤلاء قد يذهب بسورية إلى اقتتال، وانتقام، ومن المقاتلين الأجانب الذي يُصر الغرب على “إبعادهم”، وإلى أين سُؤال آخر مطروح؟!
“ثبتوا إلى جانب الثورة”
لا يجرؤ الشرع فيما يبدو على إبعاد هؤلاء المقاتلين، فقد ألمح في المقابلة مع الصحيفة الأمريكية، بأن نظامه تمنح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا سنوات طويلة في سوريا و”ثبتوا إلى جانب الثورة”، على حد تعبيره.
فشل في تسلّم الأسد
ومع كثرة تباهي الإعلاميين السوريين المُوالين للشرع، بقرب تسليم الرئيس السابق بشار الأسد لسورية الجديدة لمُحاكمته، لغايات إرضاء الروس للحكم السوري الجديد، والبقاء في قواعدهم على الأرض السورية، لا يبدو أن ذلك محل تفاوض بالنسبة لموسكو، ويبدو أن الشرع قد فشل في تحقيق ذلك، وأراد أن يُبلغ السوريين بذلك حين قال في أوّل تصريح علني له بشأن تسليم الأسد بأن طلبه قوبل بالرفض من الجانب الروسي، ما يعني أن هذه الصفحة قد طُويت للأبد.
مُرطّبات مع نتنياهو؟!
بكُل حال، من غير المعلوم ما هي “الشروط الصحيحة” التي يتحدّث عنها الشرع لينضم من خلالها إلى مهرجان التطبيع الإبراهيمي، وصولًا للحُصول على أختام المُواصفات والمقاييس الغربية لترخيص الحكم السوري، ولكن الثابت أن الرجل وفقًا لتصريحاته “ليّن” بتغيير أدبيّاته، ومبادئه، بما يخدم مصالح حكمه، أو مصالح الشعب السوري كما يقول أنصاره، وكما قلّم لحيته الطويلة، وأفكاره السلفية الجهادية، يستطيع تقليم سيادة بلاده وكرامتها، وحُكمها، فالهدف هو البقاء والتأقلم حتى وإن شرب المرطبات مع نتنياهو شخصيًّا، فيما كان سخر النظام الجديد من عدم قبول الأسد شرب المرطبات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “الذي يحتل جزء من أراضيه”؟