الدكتور الياس عاقلة: لماذا نشتري أسلحتنا من ألد أعدائنا؟

الدكتور الياس عاقلة: لماذا نشتري أسلحتنا من ألد أعدائنا؟

 

 

الدكتور الياس عاقلة

 

الإبادة الإسرائيلية المدعومة من الحكومات الغربية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية أظهرت بوضوح وبدون شكوك عند الجميع – ما عدى عند الأغبياء والخونة – أن الحكومات الغربية ، خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في أوروبا وإدارات الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص ، هي ألد أعداء الأمة العربية . فلطالما كانت هذه الدول ، خاصة أميركا ، الحليف السياسي والعسكري الذي لا غنىً عنه والعنصر الفعال في جميع انتصارات إسرائيل العسكرية على العرب .
الإدارات الأميركية المتتابعة لم تكن أبداً صديقا للعرب ولا الوسيط النزيه في محادثات السلام العربية الإسرائيلية ، بل كانت جميعها الشريك الرئيسي لإسرائيل متواطئين ضد الأمة العربية وداعمين إسرائيل دعماً شبه كامل في التصويتات الحاسمة في مجلس الأمن ، ودعماً عسكرياً كاملاً غير مشروط الى درجة الاشتراك الفعلي في جرائم الإبادة ضد عرب فلسطين كما نرى حاليا.
تعود جذور عداوة الغرب للأمة العربية الى بداية التاريخ القديم والتي ازدادت خلال العصور الوسطى حتى قبل إنشاء حكومة الولايات الأميركية المتحدة الإرهابية والإبادية التي أُنشأت على جرائم الإبادات الجماعية لشعوب أميركا الأصليين – الملقبين بالهنود الحمر – وتدمير مدنهم وحضاراتهم ، ثم تشددت هذه العداوة الغربية مع بدأ الحروب العالمية ، حيث يشهد التاريخ على المذابح والإبادات الجماعية التي اقترفتها قوى الغرب ضد العالم العربي من شرقه الى غربه ، وتقسيمه الى دويلات صغيرة ضعيفة وتعيين رؤساء تابعين لهم ليقمعوا جميع حركات التقدم العلمي والإجتماعي وحركات التحرر، وتأوجت هذه العداوة مؤخرا بزرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي ودعمه سياسيا وعسكريا لتدمير ولإحتلال هذه الدول العربية ولإبادة الأمة العربية بأجمعها ، كما فعلوا بسكان قارة أميركا الأصليين ، من أجل سرقة ثرواتها . وما الإبادة الفظيعة التي تقترفها هذه الحكومات الغربية في فلسطين وفي لبنان وفي سوريا وغيرها إلا مجرد مقدمات تلميحية (بروفات) لما سيصيب بقية الدول العربية في المستقبل بدون إستثناء.
ورغم كل هذا التاريخ الإبادي العدواني الغربي نشاهد الحكام العرب يتقربون خذلا وجبنا الى زعماء الغرب ويستجدون رضاهم عن طريق تطبيق السياسات الغربية ، واحتكار الثروات الوطنية التي تخص عامة الشعوب العربية واستثمارها في الاقتصاد الغربي المعادي بدل استثمارها في الاقتصاد المحلي وفي تحسين الظروف المعيشية لشعوبهم عن طريق بناء المدارس والجامعات لتأهيل الأجيال الجديدة لتلقي العلوم والتقنيات الحديثة وبناء المصانع والشركات المحلية.
ومن أسوأ أعمال هؤلاء الحكام في تجاهل الاقتصاد المحلي والصناعات المحلية هو شراء واستيراد السلع والمصنوعات الغربية وخاصة الأسلحة الفتاكة التي يستعملونها فقط ضد بعضهم بعضاً ، شعبٌ عربي ضد شعبٍ عربي آخر ، لقتل النساء والأطفال ولتدمير المدن والاقتصاد والحضارات العربية كما حدث في العراق والكويت ، في سوريا وفي لبنان ، في السعودية والإمارات واليمن ، في قطر وليبيا ، وما يحدث حاليا في السودان ، وما قد ينتج عن الخلافات السياسية والاقتصادية التي يثيرها الاتحاد الاوروبي بين الجزائر والمغرب.
لنأخذ السعودية كمثل لشرح هذه السياسات ، واختيار السعودية هنا جاء بسبب الأخبار الجديدة عن آخر صفقة أسلحة بين السعودية وأميركا ، وما ينطبق هنا على السعودية ينطبق أيضاَ على بقية الدول العربية. حسب تقرير لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام تعتبر السعودية (مساحتها 250 ألف كيلومتر مربع) رابع أكبر مستوردي الأسلحة عالمياً بينما تعتبر شبه جزيرة قطر (مسحتها 11 ألف كيلومتر مربع) ثالث أكبر مستوردي الأسلحة عالميا والاولى عربيا.
ما بين عامي 2011 – 2015 شكلت السعودية ما يقرب من 10% من صادرات أسلحة الولايات الأميركية للدول الأجنبية . وفي عام 2016 اقترحت إدارة الرئيس الأميركي السابق “أوباما” صفقة أسلحة بين السعودية وأميركا بقيمة 115 مليار دولار . وجاء بعده الرئيس “ترامب” في عام 2017 وعقد صفقة أسلحة مع محمد بن سلمان بمقدار 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات . كما ضَمَّن محمد بن سلمان في رؤيته المملكة 2030 صفقات أسلحة مع الولايات الأميركية بمقدار 600 مليار دولار والتي شملت صفقات عسكرية وإستثمارية وصناعية. وأخيراً ، وليس آخراً بالتأكيد ، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية قبل أسبوعين في 25 نيسان/إبريل 2025 قراراً بالموافقة على صفقة بيع أنظمة أسلحة القتل الدقيق المتقدمة (APKWS)‏ للسعودية بمقدار 100 مليار دولار والتي سيعرضها الرئيس الأميركي “ترامب” للسعودية أثناء زيارته للمملكة خلال هذا الشهر مايو/أيار. كل هذا حديثاً عدى عن الكميات الهائلة من الأسلحة التي اشترتها السعودية في الماضي والتي صدأ معظمها في مخازنها الصحراوية بدون استعمال .
 بُنيت القوات المسلحة السعودية لتكون أحد أقوى الجيوش في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق أمن المنطقة النفطية التي تُعد مصدر الطاقة العالمي ، رغم أنها لم تقم بأي حماية أو دفاع عن أمن أي من الدول العربية الشقيقة بل هددت بطرق مباشرة وغير مباشرة أمن بعضها.
تفرض الولايات الأميركية على المملكة صفقات أسلحة الواحدة بعد الأخرى تحت حجج الموازنة العسكرية مع إيران رغم أن إيران القوية عسكريا لم تشن أي حرب على أي من دول المنطقة منذ مئات السنين ، وتدعم حاليا تكوين تحالفات عسكرية واقتصادية مع جميع جيرانها العرب ، وتدعم جميع المقاومة العربية لتتحرر من العدو الأوحد إسرائيل الصهيونية الإرهابية الإبادية ، عمل تقاعصت عنه كثير من الحكومات العربية . لكن دول الغرب وخاصة الولايات الأميركية تهب إسرائيل أحدث أسلحتها مجاناً لتثبيت هيمنتها العسكرية على جميع الدول العربية في المنطقة . لذلك لا تبيع أميركا طائرات ف – 35 المتفوقة لأي من الدول العربية بأي ثمن ولا حتى للسعودية بينما تهب هذ الطائرات مجاناً لإسرائيل.
جميع هذه الأسلحة التي تبيعها أميركا للدول العربية رغم انها تبدو حديثة التقنية إلا أنها في الواقع قد انتهت صلاحيتها وفعاليتها مقارنة بالأسلحة الجديدة ذات التقنيات الحديثة التي باستطاعتها تحييد وتدمير الأسلحة القديمة، وتريد أميركا إفراغ مخازنها منها لتفسح المكان للأسلحة الأكثر تحديثا وفعالية . ولنتذكر أن صواريخ “الباتريوت” التي اشترتها السعودية بمليارات الدولارات فشلت في إسقاط الطائرات المسيرة اليمنية رخيصة الثمن والتي تم إطلاقها ضد مخازن النفط السعودية ، مما دفع السعودية الى إيقاف هجماتها على اليمن.
ولا بد هنا أن أذكر هذه الحقيقة الشائعة بين المصممين التقنيين الذي يعملون في شركات تصنيع الأسلحة الأميركية . فبسبب طبيعة عملي التقني ، في الماضي ، كان يُسمح لي بزيارة بعض مصانع الأسلحة الأميركية حيث كنت أشارك الحديث مع بعض هؤلاء المصممين التقنيين الذين كانوا يجهلون قوميتي الحقيقية وكانوا يسخرون من الحكومات العربية التي تدفع المليارات ثمناً لأسلحة “قديمة منتهية الفعالية ” لا تقارن مع الأسلحة التي تحصل عليها إسرائيل . والذي كان يحزنني كثيراً هو وجود تقنيين من أصول عربية في هذه الشركات غادروا مواطنهم لأنهم لم يحصلوا على التقدير أو العمل فيها.
ويجدر بنا أن نتساءل لماذا تصرف الحكومات العربية المليارات لشراء أسلحة قديمة منتهية الفعالية من عدونا الرئيسي – الإدارات الأميركية – بينما باستطاعة هذه الحكومات أن تستثمر مجرد الملايين – وليس المليارات – لبناء مدارس وجامعات تقنية للأجيال الجديدة لكي يبنوا مصانع وطنية لصناعة الأسلحة الحديثة فيقوى اقتصادنا ونصبح أقوياء نرفع رؤوسنا بكرامة وبعزة بدل التذلذل والخنوع واستجداء الأعداء .
قد لا يعجب بعض القراء إذا ناديت بالتمثل بإيران التي واجهت حظراً اقتصاديا عالميا لمدة 45 عاما ولكنها رغم كل ذلك استطاعت التقدم والنمو اقتصاديا وتقنيا وعسكرياً الى أن تملكت التقنية الذرية فأصبحت قوة تحترمها وتخاف منها كل دول الغرب ، وها هي الإدارات الأميركية تحاورها بالاحترام الذي يليق بها ، بل دعني أقول لنتمثل بسكان كوريا الشمالية ، ذات الاقتصاد الضعيف بسكانها الـ 26 مليون نسمة فقط على شبه جزيرة صغيرة مساحتها مجرد 74 ألف كيلومتر مربع مقارنة بالوطن العربي بأكثر من 431 مليون نسمة على أرض مساحتها أكثر من 13 مليون كيلومتر مربع وثروات نفطية ضخمة ، الذين استطاعوا تصنيع أسلحتهم بأنفسهم وتوصلوا الى صناعة الصواريخ الباليستية عابرة القارات رغم كل الحصار الاقتصادي والعسكري والسياسي الذي واجهوه لعشرات السنين، الى أن أصبحوا الآن قوة تتقرب منها دول الشرق وتحاول تفادي عداوتها دول الغرب .
فهل نحتذي ونتعلم … لنتحرر؟
كاتب فلسطيني