رحيل قاضٍ مصري بارز يسلط الضوء على حقيقة مهمة ينبغي أن نعيها.. المشاعر السلبية تحاصر القلوب والثأر يتأجج في النفوس.. هل هناك سبيل للخروج من هذا المأزق؟ وماذا يقول مختصو النفس والاجتماع؟

القاهرة – “رأي اليوم” – محمود القيعي:
نكأ رحيل القاضي المصري شعبان الشامي جراحات المصريين القديمة التي يبدو أنها لن تندمل.
فبمجرد الإعلان عن رحيل الشامي رئيس محكمة جنايات القاهرة ، اندلعت عاصفة من الجدل حوله لم تنته حتى كتابة هذه السطور.
ارتبط اسم شعبان الشامي بأحداث مهمة، منها: أحداث الفتنة الطائفية في حي الزاوية الحمراء، وما تلاها من حادث استهداف كنيسة مسرة في شبرا، حين ألقى متطرفون قنبلة على المصلين، وفي العام نفسه، وشارك كذلك في التحقيق في التوتر الطائفي في مركز شرطة سنورس، وأخيرا قضية التخابر والهروب من سجن وادي النطرون، التي وُجّهت فيها الاتهامات إلى الرئيس الراحل محمد مرسي وقيادات في جماعة الإخوان.
برأي الكاتب الصحفي وائل قنديل فإن رد فعل المجتمع على موت القاضي يحتاج إلى دراسة عميقة من خبراء علم الاجتماع وعلم النفس وعلم القانون خصوصًا أن هذا الشعور العام بالإنصاف أو رد الاعتبار – حسب رأيه- لم يقف عند الضحايا المباشرين فقط.
كان اللافت في ردود الأفعال على وفاة القاضي كثرة التعليقات التي وصلت عشرات الآلاف.
د. ممدوح حمزة كان من بين المعلقين على رحيل الشامي، حيث قال: “يارب.. يا الله.. لا ترحم في السماء من ظلم الناس في الأرض”، وهو تعليق ينطوي على مرارة كبيرة باتت عصيّة على نسيانها أو حتى تناسيها.
على الجانب الآخر قال الإعلامي مصطفى بكري إن أبلغ رد علي الشامتين في موت القاضي شعبان الشامي ، الذي واجه القتلة من الإرهابيين بالعدل والقانون هو الحضور المكثف في عزائه غدا الثلاثاء بمسجد المشير – قاعة السلام.
وأضاف بكري أن قضاء مصر العادل النزيه ، لايخضع للابتزاز ولا التهديد ، مشيرا إلى أن الإخوان سبق أن حطموا المحاكم ، واغتالوا قضاة ، واعتدوا علي منازلهم ، لكن قضاء مصر لايعرف سوي العدل والقانون.
إحدى الناقمات على الشامي “عبير الصفتي” قالت إنها أول ما عرفت خبر موت شعبان الشامي، شعرت بالضيق الشديد ، وانتابتها حالة حزن واكتئاب قوية، مشيرة إلى أنها تذكّرت إحدى أسوأ المرات التي جمعتها بالشامي في
يوم 19 سبتمبر 2019 ، في معهد أمناء الشرطة بطرة، حيث كانت جلسة استئناف على قرار إخلاء سبيلها.
وقالت إنه بعد مرور شهور على اعتقالها في قضية الاستفتاء على التعديلات الدستورية، صدر قرار بإخلاء سبيلها، وكالعادة النيابة قدّمت استئناف على قرار الإخلاء و نزلت معهد الأمناء يوم 19 سبتمبر، بالتزامن مع دعوات لمظاهرات في اليوم التالي، وكان القاضي يومها هو شعبان الشامي.
وبحسب الصفتي فإن شعبان الشامي يومها ترك المحكمة ولم يتم نظر القضية، ولم يمكّنها من المثول أمامه، ودون أن يمكّن المحامين من تقديم طلباتهم أو مرافعاتهم، وقال: “مشكلتكم مع أمن الدولة، روحوا حلّوها معاهم!”.
وتابعت قائلة: “ووفقًا للقانون، عدم نظر الجلسة وعدم تمكين المتهم ومحاميه من الحضور بيكون في مصلحة المتهم، والوضع القانوني وقتها هو تأكيد إخلاء السبيل.
رجعت سجن القناطر يومها مش فاهمة حاجة، لكن كل الناس كانت بتأكد لي إن خلاص تم تأكيد إخلاء السبيل، بما إن الجلسة ما اتنظرتش.
اتصدمت بعدها بيومين، لما اكتشفت إن شعبان الشامي ألغى إخلاء سبيلي، وقرّر استمرار حبسي، بالمخالفة للقانون، وعلى ذمّة قضية ملفّقة”.
واختتمت معبرة عن حزنها أنه مات قبل أن تأخذ حقها منه، و حزينة أنه مات قبل أن يذوق كل الذل والمرار والألم الذي ذاقته.. وأردفت: “حزينة جدًا وغضبانة إن بعد كل اللي حصلي، وهو وغيره كانوا سبب مباشر فيه، إن الموضوع يخلص بالبساطة دي ويموت! ومحدش يقول لي “أهو مات، فيه حساب في الآخرة”، لأن ده مش كفاية “.
السؤال الذي بات مطروحا بقوة: مصر إلى أين؟ وهل باتت المصالحة المجتمعية مستحيلة وسط كل كل تلك الأجواء من المرارات والثارات؟!