العقوبات الأمريكية ضد سوريا: توازن بين سلطات الرئاسة وحدود الكونغرس

د. حكم امهز
منذ عام 2011، شكّلت العقوبات الأميركية أداة رئيسية للضغط على نظام الرئيس بشار الاسد السوري، سواء من خلال الأوامر التنفيذية الرئاسية الامريكية أو من خلال قوانين الكونغرس، وأبرزها ‘قانون قيصر’.
إلا أن المشهد السوري تغيّر جذريًا، بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وتسلُّم جماعة ‘هيئة تحرير الشام’ بقيادة أحمد الشرع، المعروف باسم ‘أبو محمد الجولاني’، زمام الحكم الفعلي في مناطق واسعة، بدعم غير معلن أو بغض طرف دولي متزايد. ورغم تصنيف هذه الجماعة كمنظمة إرهابية في القوانين الأميركية والدولية، فإن التعامل معها بات أكثر مرونة وغموضًا، ما طرح الكثير من التساؤلات .
الرئيس الامريكي دونالد ترامب وفي خطوة غير متوقعة اعلن من الرياض رفع العقوبات عن سوريا، الامر الذي دفع السوريين الى اجتياح الشوارع احتفاء.. الا ان الشيء الذي لم يلتفت اليه كثيرون. هو ان العقوبات التي تحدث عنها ترامب توصف بالرئاسية ، وتختلف عن تلك الموجودة في “قانون قيصر” المرتبطة بالكونغرس.. وللتوضيح:
العقوبات الرئاسية تصدر عبر أوامر تنفيذية يوقّعها رئيس الولايات المتحدة، بناءً على قانون ‘الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية’. تمكّن هذه الأوامر الرئيس من فرض عقوبات على أفراد أو كيانات ‘تُهدد’ الأمن القومي الأميركي، وتشمل تجميد الأصول، وحظر التعاملات المالية، ومنع منح التأشيرات.
ومن جهة أخرى، فإن هذه العقوبات يمكن تعديلها أو رفعها بقرار رئاسي جديد، ما يمنح الإدارة الأميركية مرونة دبلوماسية أكبر في حال تغيّر التقديرات السياسية أو الاستخباراتية.
مثال بارز على هذه المرونة جاء في عهد الرئيس باراك أوباما، الذي أصدر عدة أوامر تنفيذية بين عامي 2011 و2013 لفرض عقوبات على مسؤولين سوريين وشركات مرتبطة بالنظام، على خلفية مزاعم قمع الاحتجاجات الشعبية والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. وقد شملت هذه الأوامر منع السفر وتجميد الأصول المالية، وتم توسيعها لاحقًا لتشمل كيانات من روسيا وإيران. ومع ذلك، فإن هذه الأوامر بقيت قابلة للتعديل أو التعليق وفقاً لرؤية الإدارة، كما حدث لاحقًا عندما تم تعليق تنفيذ بعضها لأغراض إنسانية أو سياسية مؤقتة.
في المقابل، تمثل العقوبات الصادرة عن الكونغرس، مثل ‘قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين’ عام 2019، قيودًا أكثر صرامة واستمرارية. فهذه العقوبات مرتبطة بنص قانوني ملزم لا يمكن للرئيس رفعه أو تعديله إلا بموافقة تشريعية من الكونغرس.
قانون قيصر فرض حزمة من العقوبات على أي جهة تتعامل اقتصادياً أو عسكرياً مع النظام السوري، أو تسهم في مشاريع إعادة الإعمار دون تحقيق شروط تتعلق بحقوق الإنسان والمحاسبة والانتقال السياسي.
من الناحية القانونية، لا يملك أي رئيس امريكي سلطة رفع هذه العقوبات دون موافقة تشريعية من الكونغرس، ما يخلق نوعًا من ‘الجمود القانوني’ تجاه التغيرات على الأرض.
العقوبات الامريكية بقسميها صيغت في الأصل كوسيلة للضغط على نظام الرئيس الأسد، اما اليوم فلم يعد نظام الاسد موجودا، من يتولى السلطة هيئة تحرير الشام، المردجة مع زعيمها ابو محمد الجولاني احمد الشرع على لوائح الارهاب الامريكية والدولية.
الهيئة تتصرف اليوم كسلطة أمر واقع ونظام ودولة، وتفتح قنوات تواصل غير رسمية مع الغرب، بل تقدم نفسها كقوة منضبطة قادرة على محاربة التطرف والارهاب المدانة بهما.
لكن واقع الحال يُظهر أن هذه الجماعة ارتكبت انتهاكات موثقة ضد الأقليات، خاصة العلويين في الساحل والدروز في مناطق متفرقة، وشكّلت نموذجًا موازياً في القمع وإقصاء التنوع، دون أن يواجه ذلك بعقوبات موازية من واشنطن.
رغم التأييد الكامل وعدم معارضة قرار رفع العقوبات الرئاسية الامريكية عن سوريا، الا ان السؤال يطرح عن التناقض الامريكي والدولي حيال حقوق الانسان والحريات. فإذا كانت العقوبات تهدف إلى حماية المدنيين ومعاقبة منتهكي حقوق الإنسان، فإن الواقع لا يزال ذاته مع سلطة جماعة الجولاني.
فلا تشمل العقوبات الحالية قيادات هيئة تحرير الشام رغم سجلها الحقوقي السيء. يعني هي تُستخدم سلاحا سياسيا غير مرتبط بالواقع الحقوقي والإنساني.
على اي حال، وربط بعوائق رفع العقوبات أو تعديلها، فان الكونغرس لا يتحرك بسهولة لتعديل قوانين مثل ‘قيصر’، خاصة في ظل تصورات تقليدية عن الصراع السوري. فهناك الانقسام الديمقراطي الجمهوري، وتأثير لوبيات الضغط الحقوقية وغير الحقوقية. لذا، فإن العقوبات التشريعية مثل قانون قيصر تحتاج إلى مراجعة شاملة على مستويات محتلفة قبل تعديلها وبينها الاكلاف التي يجب على النظام السوري الجديد دفعها للادارة الجمهورية الحالية وافق عليه هذا النظام.وابرزها،التطبيع مع الاسرائيلي التخلي عن الجولان، الوصاية على الجنوب السوري من قبل يكان الاحتلال، التخلص من العناصر الاجنبية المقاتلة وعددها بعشرات الالاف، الاستثمار الامريكي لمشاريع النفط والغاز السوري، مرور الخط التجاري من الهند الى ميناء حيفا المحتل اسرائيليا، مرور خط غاز قطر عبر الاراضي السورية ايضا الى اوروبا.. تجنيس وتوطين الفلسطينيين في سوريا ومنع اي نشاط لحركات المقاومة الفلسطينية في الداخل السوري واعتقال قادة فيها البحث عن جنود اسرائيليين قتلوا سابقا (مثال التحقيق مع طلال ناجي الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد اعتقاله في دمسق تركز حول امكان فن الجنود الاسرائيليين وكانت النتيجة تحديد مكان رفات الجندي تسفيكا فيلدمان).. الخ..
الموافقة على هذه المطالبة، تمت من خلال زيارة احمد الشرع ابو محمد الجولاني الى الامارات، واجتماعات عقدها على مدى ثلاثة ايام، مرهف ابو قصرة ( وزير الدفاع في الادارة السورية الجديدة) خلال لقاءات سرية في تل ابيب، نائب القائد العام لـ’حركة أحرار الشام’ أحمد الدالاتي (أبو محمد الشامي)، مع ضباط اسرائيليين في الحضر في القنيطرة السورية.
علاقات دولية