ما أسباب دعوة تنظيم الدولة “مقاتلي الشرع الأجانب” للانضمام إلى خلاياه، وما دلالات توقيت قرار “الجولاني” للاصطدام معه؟ هل يعزز ظهور “داعش” جهود دمشق للحصول على “الرضا الأمريكي والإسرائيلي” ولماذا يتم رفع العقوبات عن سورية كل 180 يومًا؟

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
يبدو أنّ سُلطات حكّام دمشق الجُدد معنيّةٌ تمامًا بتحقيق طلبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “حرفيًّا”، حتى تنجح في اختبار رفع العقوبات “الدائم” وليس “المُؤقّت” عنها أو عن سورية، حيث طلب ترامب من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أن يُحارب تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك في لقاء على هامش زيارة ترامب للسعودية دام نصف ساعة فقط.
لم يَمْضِ الكثير على الطّلب الأمريكي هذا، حتى سارعت وزارة الداخلية السورية للإعلان السبت، عن مُداهمة أحد أوكار تنظيم “الدولة الإسلامية” في حلب شمالي البلاد ما أسفر عن إلقاء القبض على أحد أفراد التنظيم، مشددة على استمرار جهودها الرامية إلى “منع أي نشاط إرهابي”.
تُطرح تساؤلات بطبيعة الحال، حول عدم تفعيل هذه الجُهود لـ”منع أي نشاط إرهابي” قبل الطّلب الأمريكي، وإن كان هذا يخدم بالنهاية مصالح الشعب السوري، وإن كانت السلطات الجديدة قبل الطلب الأمريكي كانت تُحابي أو تتجنّب الصّدام مع “داعش”، على خلفية انتساب الشرع له قبل انشقاقه وتأسيسه جبهة النصرة، ولاحقًا تغيير اسمها إلى هيئة تحرير الشام.
وفي التفاصيل، نفّذت مديرية أمن حلب بالاشتراك مع جهاز الاستخبارات العامّة عملية مُداهمة استهدفت وكرًا تتحصّن فيه خلية تابعة لتنظيم داعش”، وذلك بحسب إعلان الداخلية السورية في بيان نشرته.
وبحسب البيان، فإنّ الاشتباكات التي رافقت العملية أسفرت عن مقتل عنصر من قوى الأمن العام، قبل أن “تتمكن الدورية من اقتحام الموقع وضبط عبوات ناسفة وسترة مفخخة وعدّة بدلات تعود لقوى الأمن العام كانت بحوزة أفراد الخلية”.
تُوحي عملية اقتحام الموقع، أن تنظيم الدولة الإسلامية عازمٌ على مُحاربة سُلطات الشرع، ما يعني الرغبة في الظهور مجدّدًا، ويتعزّز ذلك بطبيعة الحال، كون الشرع بات ميّالًا للأمريكيين وطلباتهم، على عكس أدبيّات هذه التنظيمات الجهادية المُتشدّدة.
ولقاء أو استدعاء ترامب للشرع في الرياض، يبدو أنه أثار غضب تنظيم الدولة، ودفعه لوصف الاتفاقيات الدولية التي عقدها الشرع بعد وصوله إلى السلطة بأنها “تنازلات واستجلاب الرضا الأمريكي واليهودي”.
هذا الغضب “الداعشي”، يطرح تساؤلات فيما إذا كان تنظيم الدولة يمتلك أدوات العودة للظهور القوي، خاصة أنه دعا في افتتاحية صحيفة “النبأ” التابعة له، “المُقاتلين الأجانب” المنضوين ضمن وزارة الدفاع السورية الانتقالية إلى الانضمام لخلاياه، واتهم الشرع بأنه استغلّهم لخدمة مشروعه.
مِلف المُقاتلين الأجانب، من أكثر الملفّات صُعوبة، فأمريكيًّا مطلوب من الشرع التخلّص منهم، ما يطرح تساؤلات حول الكيفية، والطريقة، وإلى أين؟، وإذا قرّر الشرع الاصطدام معهم “بدل تجنيسهم” كما أعلن سابقًا، سيكون هؤلاء المُقاتلين أمام خيار التمرّد، وها هو تنظيم الدولة يدعوهم للانضمام إلى خلاياه.
مَهمّة صعبة أخرى، تتعلّق بطلب ترامب من الشرع إدارة معتقلات تنظيم الدولة في شمال سوريا، وهذه السجون تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تتولى إدارتها والإشراف على آلاف المعتقلين من عناصر التنظيم المتطرف.
وهُنا يطلب ترامب بشكل لا لا لبس فيه من الشرع تولي هذا الملف، فهو كما يُعلن نفسه بات رئيسًا للسوريين لكل السوريين، وعليه فإن الدولة السورية المركزية باتت في عُهدته، لكن لا بد من التساؤل حول قدرة الشرع على تنفيذ إدارة سجون داعش، وهي في عُهدة “قسد”، بينما العلاقة مُتوتّرة أساسًا بين الشرع و”قسد”.
الصّراع أو القتال بين هيئة تحرير الشام التي تحكم دمشق، وتنظيم الدولة، وارد، حيث سبق وأن تمكّن تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014 من بسط نفوذه على ما يقرب من مساحة 88 ألف كيلومتر مربع و8 ملايين شخص في سوريا والعراق، كما استطاع جني مليارات الدولارات من عائدات النفط والسرقات وعمليّات الخطف التي كانت تُطالب بالفدية.
وعلى مدى السنوات الخمس التالية، تمكّن التنظيم من استقطاب الآلاف من الجهاديين من جميع أنحاء العالم، وكان شعاره الأساسي قتال الأمريكيين، على عكس الشرع أو الجولاني الذي تراجع عن شعاراته الجهادية، وقلّم لحيته، ويريد كما يقول أن يحكم دولة عصرية، دولة مؤسسات.
ووفقًا للتقارير، على الرغم من خسارة التنظيم آخر معاقله في الباغوز القريبة من الحدود العراقية بريف دير الزور في مارس (آذار) 2019، ظل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يُشكّل تهديدًا جديًّا لأمن سوريا واستقرارها عبر “مجموعات مُتنقّلة” تنشط عبر البادية السورية.
تقرير للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2025، قال إنّ “داعش” استفاد من سُقوط نظام الأسد لتعزيز عملياته، مع تقديرات بوجود 1500 إلى 3000 مقاتل في سوريا والعراق، معظمهم في سوريا، كما لُوحظ نشاط استخباراتي مُتزايد، حيث تسلّل عناصر “داعش” إلى مخيم الهول لتحرير مقاتلين مخضرمين وتجنيد شباب، مما يعزز قدرات التنظيم على التخطيط لهجمات معقدة.
الانسحاب الأمريكي من سوريا يُضاف إلى عوامل القلق من تزايد نشاط داعش، وخاصّة في مناطق مثل دير الزور والتنف، حيث تعويض تلك القوات من قبل قوات الشرع يبدو صعبًا، الأمر الذي يسمح بتحريك خلايا داعش بين البادية السورية والحدود العراقية”.
بكُل حال، رفع العقوبات عن سورية الذي أعلن عنه ترامب في السعودية، مرهونٌ بواقع الحال الذي تستطيع أن تمضي إليه حكومة حكّام دمشق الجدد، وسط تحدّيات الأقليات، والمقاتلين الأجانب، ومُحاربة داعش، ففي تصريح أدلى به وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو للصحفيين بعد مشاركته في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول الناتو في أنطاليا بتركيا، أكد روبيو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتزم استخدام الإعفاء كمرحلة أولى في عملية رفع العقوبات، وأوضح أن هذا الإعفاء سيُجدّد كُل 180 يومًا.
وأضاف روبيو أنه في حال تحقيق تقدّم ملحوظ من قبل دمشق، سيتم التقدّم بطلبٍ للكونغرس لرفع العقوبات بشكل كامل، لكنه أكد أن هذه الخطوة لا تزال سابقة لأوانها في الوقت الراهن، مُشيرًا إلى أنّ البداية ستكون بالإعفاء الذي سيسمح للدول الشريكة بإرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا دون القلق من التعرض للعقوبات.