ياسين الرزوق زيوس: صورة سوريا الجديدة عبر منظور ترامب، هل تتماشى مع تطلعات الشعب والقانون؟

ياسين الرزوق زيوس: صورة سوريا الجديدة عبر منظور ترامب، هل تتماشى مع تطلعات الشعب والقانون؟

 

ياسين الرزوق زيوس

في رواية (الموت حبّاً ) لـ (بيار دوشين ) لم ينزع جيرار (17 ربيعاً ) نضال أبيه من قلبه عندما أراد أن يكون راشداً بسرعةٍ تفوق سرعة عمره البيولوجيّ متفوّقاً على أقرانه بتلك المفاهيم الثائرة على التبعية و القطيعية،  وهو يسبق بقلبه نبضات المعلّمة الثلاثينية دانيال التي وضعت رشدها جانباً و عادت طفلةً عاشقة تعشق جيرار ابن وسيد نفسه لا عبد أبيه لا لتقول لأبيه (أكمل ثورتك بالحقيقة لا بالنفاق وبالواقعية لا بالطوباوية) وإنّما لتقول للعالم الثائر (ليس من قيم الثورة أن نعتنق ما ثرنا عليه فور تربّعنا على عرشٍ مهتزٍّ صار غنيمة أحلامنا الثابتة !)…
ولربّما هي من حاولت تحويل طوباويّة العشق إلى قيمٍ من الحرية الثوريّة لا يمكن  هزّ أركانها أو الانخراط في زعزعتها فأرست بذلك نقطة الاقتحام غير المقرون بالمجتمعات البالية و بالمحرّمات المفصّلة على مقاس سارقي هذه المجتمعات من بناء مصيرها و من زراعة سنابل تطلعاتها بعيداً عن الانغماسات الدموية في بؤر المصالح و التحالفات و التآمر و التوازنات !…….
لقد ترك والد جيرار قيمه الثورية على طاولةٍ فرم فيها كلّ خطاباته الثورية الحماسية بسكاكين المجتمع التقليديّ و التحالفات النمطية ليكسر المعلّمة دانيال التي حاربت تناقضات الكثيرين من الثوريين القدامى و أدعياء التغيير لا لتقول للعالم (ثابر على الخنوع الدائم ) وإنّما لتعلّم الأجيال (أنّ الثورة المنطفئة بالموت لا يمكن أن تشعل فينا الحياة )
الثورة السورية ربّما تمرّ على طاولة المفاوضات و المقايضات كغيرها من ثورات العالم من الفرنسية إلى البلشفية إلى سواهما  لكنّ خصوصيتها إمّا أن تنتج تابوات لا يمكن تخطّيها متيحةً المجال لزرع بذور ثورة جديدة في العقول والقلوب و النفوس والأرواح، وإمّا أن تنتج عقولاً منعتقة من تقييد الفكر والروح فلا تنطبق مقولة نزار قباني عليها ألا وهي (لقد لبسنا قشرة الحضارة و الروح جاهلية !)
من يثور على الاستبداد لا يقدّس زراعة استبداد جديد و من ينزع عن وجدانه أطواق الحديد لن يسمح لنفسه بأن يضعها في رقاب الآخرين، ولعلّ هذا ما يحاول الرئيس الشرع جاهداً إيصاله وإيضاحه والعمل عليه من خلال القوانين و المؤسّسات بترسيخ المواطنة الدائمة لا المهادنة المتربّصة بهذه المواطنة عند أدنى فرصة تتاح للانقضاض على السلم الأهليّ !…….
التقى من حمل بندقية ثورة الأمس و صولجان ملك اليوم الرئيس السوريّ أحمد الشرع بترامب انطلاقاً من المصلحة العليا للأمّة السورية و للدولة الوطنية كما يوضّح في البيانات الحكومية بعد أن انتصرت الثورة بقيمها لتلعب دور بسط هذه القيم من خلال الحكم و القرار   لكنّه حكماً لن يلعب دور والد جيرار في رواية (الموت حبّاً) و لن تكون المقايضات و المفاوضات مع الرجعية السابقة لإنتاج رجعية أشدّ وطأة وسط تعقيد المشهد السوريّ و الاختراقات الصهيونية فهل يكون زوال العقوبات الأميركية عن سورية بوّابة السلام مع الأحلام أم نافذة التطبيع مع الوئام أم جوهر الحق مع الالتئام ؟!…….
الجواب ليس بسيطاً فثورة منهكة تحتاج أن ينحني غصنها للريح كي لا تقتلع من جذورها   لكنّها  حكماً لن تسلّم رأسها للمقصلة التي نجت منها و انتصرت عليها من جديد !…….
زوال العقوبات الأميركية عن سورية ليس مجاناً حكماً في مناحي الصرف و التصريف السياسي لكنّ الحياة السياسية هكذا و لن تُصْرف فقط في دوائر عناد و مبادئ دانيال و جيرار لأنّ السياسة التي لا تحكم قبضة تطوير الاقتصاد و النهوض به لن تأمن على جسدها من اغتيال جديد بثورات غير محسوبة ، و على هذا لا بدّ للسياسة أن تُصْرفَ اقتصاداً و سلماً أهلياً يرسّخ مساواةً و  مواطنةً لا فضل فيها لمواطنٍ على مواطن إلّا بالعمل و الإنتاج من حيث أنّ الهويّة السورية سيدة الانتماء و العلاج …….
في مؤسّسة القيامة السوريّة الفينيقيّة لن يضيع عباس بن فرناس في زواريب السقوط بعد أن فقد ذيله المنقوط على بساطٍ طائرٍ مربوط !!
 ما للرئيس الشرع للرئيس الشرع و ما لسورية لسورية  عطفاً على مقولة ما لقيصر لقيصر و ما لروما لروما ، فهل يدرك الرئيس  الشرع الخيط الفاصل ما بين  إدارة سورية و ما بين تطويعها وسط هذا الزمن الصهيوني المجنون و كما يقول حكماء السياسة (الجنون فنون) ؟!
لعلّ لدى الرئيس الشرع ما يقلب طاولة العقل و الجنون في هذا الزمن المأفون !…….

سورية حماة