الأردن: نحن في نقطة تحول حاسمة، إما تعزيز الدولة أو تسليم مفاتيحها لمخطط التصفية.

الأردن: نحن في نقطة تحول حاسمة، إما تعزيز الدولة أو تسليم مفاتيحها لمخطط التصفية.

علياء الكايد

في لحظة إقليمية، يُعاد فيها رسم الخرائط وتوزيع الولاءات، يقف الأردن على حافة التهديد الوجودي. لم تعد المسألة أزمة نهج أو فساد إدارة، فهذا كله قضى وطره أو أصبح خلف اللحظة، بل هي مسألة صراع صريح على هوية الدولة واستمراريتها ككيان سياسي. واليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي لا يرى في الأردن دولة بل “وديعة مؤقتة”، يستغل اللحظة ويجهد مستعجلا تنفيذ المشروع الصهيوني في الاردن مستغلا فوضى عربية وفراغ داخلي.
حين انتزع الملك حسين من إسحاق رابين في وادي عربة اعترافًا بأصالة الدولة الأردنية، لم يكن ذلك اتفاق سلام عادي، بل إعلان انتزاع دولة من بطن المشروع الصهيوني، تاركًا هنا الحديث عن تداعيات المعاهدة المؤلمة. واغتيال رابين لم يكن فقط اغتيالًا لشخص، بل محاولة لاغتيال هذا الاعتراف. اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي لا يختلف بأهدافه عن اليسار، لم ينسَ تلك اللحظة، واليوم يسعى لتفريغ الأردن من مضمون الدولة وإعادتها إلى مربع “الوظيفة الجغرافية والخدماتية”.
الملك حسين لم يربط العرش بالعائلة فقط، بل بالدولة؛ وجعل من شرعية الحكم عقدًا اجتماعيًا يتجاوز الدم والولاء الشخصي، قائمًا على وحدة وطنية ودولة وجدت لتبقى وتتطور، ضرب الدولة يعني ضرب هذا العقد، وضرب هذا العقد هو مدخل تفكيك الأردن.
من هنا تأتي خطورة المرحلة. المشروع الإسرائيلي الجديد لا يكتفي بالحدود، بل يسعى لتفكيك الداخل الأردني، وتحويله إلى ساحة رخوة قابلة للبلع السياسي أو الإلحاق الجغرافي.
الخطورة الأكبر أننا نواجه هذا المشروع بداخل مرتبك، نخبة نظام تغلق الأفق، أجهزة تفتعل الأزمات، مستشارون يهوّلون المصالحة ويعارضون تبييض السجون من أصحاب الفكر والرأي، ومن كل مواطن مسجون على خلفية سياسية.
 إصدار مثل هذا العفو هو من لزوميات المرحلة الوطنية وتحديات اللحظة، وتأخيره يعني الاستمرار بالتفريط بالجبهة الداخلية والإبقاء على انقسام يهدد وحدة الشعب.
الأردن اليوم بحاجة لقرارات استراتيجية، وهذا العفو هو الأساس، من حيث وجوبية ترميم الثقة بين الدولة وشعبها، ويفتح باب مصالحة وطنية تاريخية. لا استقرار ولا حماية لدولة بدونها. هو الجسر نحو عقد اجتماعي جديد يُعيد تعريف الوطنية بعيدًا عن الخوف، ويمنح الشرعية بعدًا شعبيًا لا أمنيًا
انظروا لتجارب الأمم جنوب أفريقيا كيف تجاوزت ماضي الفصل العنصري بمصالحة حقيقية، ورواندا نهضت من مجازرها بقانون عفو شامل لجمع الفرقاء. الأردن يحتاج اليوم قرارًا شجاعًا مشابهًا يعيد اللحمة الوطنية قبل أن يستفحل التشظي ويُفرض علينا الحل من الخارج.
الدولة بلا معارضة ممأسسة هي دولة تقصي الرأي الآخر وتفتقد لمن يرشد بوصلتها حين تضل طريقها، هي دولة عوراء ولا تُشكّل مفهوم الدولة الحديثة القابلة للبقاء. نحن في الأردن نفتقد لهذه المعارضة بحكم النهج السياسي، ومع هذا لدينا أحزاب معارضة وشخصيات وطنية معارضة. ولكن دجنتم الأحزاب وشيطنتهم كل معارض، وأصبحت اللعبة في ملاحقة الشخصيات المعارضة. بينما هذه المعارضات الوطنية لا تستهدف العرش، وهمها المحافظة على أمن وسلامة وسيادة الدولة وبقائها، بمواطنين شركاء بالقرار، مواردهم محمية وحاجاتهم للعيش مقضية، وبغير ذلك نكون في خدمة مباشرة لمشروع التفكيك وفتح الباب هذه المرة لتنفيذ الأجندات الخارجية لا قدر الله.
نحن بحاجة إلى وقفة وطنية صادقة ومصالحة حقيقية، كي نُعيد بناء الثقة الداخلية ونحصّن السيادة الأردنية. غياب رجالات الأردن المخلصين عن الشأن العام للدولة، هو خذلان للوطن وللدولة نفسها. الأردن اليوم أمام اختبار وطني وجودي، إما نقرر نحن مصيرنا، أو يُقرر لنا في غرف الآخرين.
كاتبة اردنية