أسعد أبو الخطاب: صحيح أننا غاضبون… لأنكم تخليتم عن غزة في مذبحة مستمرة!

أسعد أبو الخطاب
لم أعد أكتب كمثقف، ولا كأكاديمي يحلل المشهد من وراء أوراق المؤتمرات والنظريات، بل كإنسان يصرخ من عمق قلبه:
نعم، نحن غاضبون!
ولسنا فقط غاضبين، بل مذبوحون من الداخل، لأنكم تركتم غزة وحدها في مذبحة مفتوحة، يُعاد بثها على الهواء مباشرة، وكل ما تفعلونه هو خفض الصوت أو تغيير القناة!
يا سادة، نحن لا نحتاج إلى مناهج جديدة في العلوم السياسية بقدر ما نحتاج إلى ضمير جديد.
لا نحتاج إلى دراسات حول “الردع” و”القوة الناعمة” بقدر ما نحتاج إلى وقفة صادقة أمام المرآة، نسأل أنفسنا فيها:
هل بقينا بشرًا؟
أم تحوّلنا إلى آلات تحليل بلا مشاعر؟
في قاعات المحاضرات، نُدرّس مفهوم “الشرعية الدولية” بينما غزة تُباد باسم هذه الشرعية المزعومة.
نناقش مفاهيم “العدالة الانتقالية”، بينما لا يجد أطفال غزة حتى العدالة البدائية: أن يُدفنوا دون أن يُقطعوا أشلاء.
كل هذه الكلمات التي نرددها: “السلام”، “الحلول الدبلوماسية”، “التعايش”، “القرارات الأممية”، أصبحت أكاذيب أكاديمية نغطي بها جبننا.
من الذي يقف مع غزة؟
من الذي يوقف شلال الدم؟
من الذي يجرؤ حتى على قول الحقيقة بلا خوف من فقدان التمويل أو الامتيازات؟
أقولها بصوت عالٍ أمام الجميع: نحن نعيش زمن الخيانة الهادئة… زمن تتواطأ فيه الأنظمة، وتصمت فيه النخب، وتتقاعس فيه الشعوب… لقد استبدلنا الكرامة بـ”الحياد”، والمقاومة بـ”الحكمة”، والحق بـ”الواقعية السياسية”.
أي خزي هذا؟
غزة ليست مجرد عنوان في نشرة الأخبار… إنها بوصلة، إن انحرفت عنها، ضلّ ضميرك الطريق.
غزة لا تسقط فقط تحت القصف، بل تحت خذلاننا المتكرر، تحت صمتنا المزمن، تحت طأطأة رؤوسنا كلما نُطق اسمها في المؤتمرات الدولية كـ”منطقة نزاع” بدل أن تُسمّى بما هي عليه: ضحية مشروع استعماري متوحش، ومجزرة مستمرة برعاية صمت العالم.
أيها العرب والمسلمين، ويا من تدّعون وصلاً بفلسطين: نحن غاضبون لأنكم خذلتم أنفسكم قبل أن تخذلوا غزة… لم نطلب منكم المعجزات، بل أن تكونوا بشرًا.
انا ناشط حقوقي أخجل من كل من زملائي حين أسألهم عن “القضايا الإنسانية”، ويجيبونني بأسماء منظمات دولية، لا يعرفون أن غزة هي الامتحان الحقيقي للإنسانية.
وهل هناك درس أكبر من أن ترى طفلاً يُستخرج من تحت الركام وتظل صامتًا؟
نعم، نحن غاضبون… لأن التاريخ سيكتب أن أمة كانت تتفاخر بماضيها، سقطت في اختبار حاضرها.
نحن غاضبون… لأن قاعاتنا الأكاديمية لم تكن منابر للحق، بل ممرات للهرب.
نحن غاضبون… لأن غزة وقفت وحدها، تقاوم وحدها، تنزف وحدها… بينما أنتم تعدّون فناجين القهوة، وتكتبون بيانات الإدانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وفي النهاية، لا تسألونا لماذا نحن غاضبون.
اسألوا أنفسكم: لماذا أنتم لستم كذلك؟
ناشط حقوقي من جنوب اليمن