ياسمين الشيباني: الكرامة في ليبيا بين الواقع والشعارات

ياسمين الشيباني: الكرامة في ليبيا بين الواقع والشعارات

 

 

ياسمين الشيباني

الكرامة هي الرفعة وعزة النفس، هي الكبرياء النابع من الأخلاق والقيم، والابتعاد عن كل ما يمس الإنسان في إنسانيته. إنها أغلى ما يملكه الإنسان، وأسمى ما يمكن أن يعيش من أجله.
أما في ليبيا، وبعد ما مرت به من ويلات وانقسامات، لم تعد الكرامة مجرد شعار يُرفع، بل أصبحت جرحًا مفتوحًا في ضمير كل ليبي يرى وطنه ممزقًا، وشعبه مشرّدًا، يائسًا، فاقد الأمل.
الكرامة الحقيقية لا تُصنع بالشعارات، بل تُبنى على الصدق، والأمانة، والانتماء، والإيثار، وعلى حماية المواطن، وصيانة سيادة الوطن، وتحقيق العدل والوفاء لا القمع والخيانة. الكرامة هي اعتداد الإنسان بنفسه، وشجاعته في قول الحق، وثباته على المبادئ.
عندما شاهدت صور الاحتفال في مدينة بنغازي بما يسمى “ذكرى الكرامة”، لم أُفاجأ. كان حفتر، ذلك العجوز الذي خان وطنه مرّتين، يحتفل بانتصار وهمي ويدّعي الدفاع عن كرامة الوطن، بينما هو من باع ترابه، واستقدم القواعد الأجنبية، وحوّل البلاد إلى ساحة نفوذ للأطماع شرقًا وغربًا وجنوبًا.
أي كرامة يُحتفل بها، وليبيا باتت بلدًا ممزقًا، تضج بالصراعات، وتُدار من قِبل حفنة من المنتفعين الذين سجنوا المواطنين وأهانوهم وعذبوهم لمجرد أنهم انتقدوا أو طالبوا بحقوقهم؟ أي كرامة هذه في بلد بات مواطنه لا يأمن على نفسه، وأصبح مستباحًا من قبل الحكومات العميلة التي سلّمته للقوى الأجنبية كما حدث مع المواطن أبو عجيلة المريمي؟
حفتر ومن حوله يحاولون تقليد الشهيد معمر القذافي، لكن شتان بين الثريا والثري، بين من قدّم نفسه فداءً لوطنه، ومن باع الوطن بحفنة من المصالح.
ليبيا في عهد “فبراير” أصبحت مأوى للميليشيات، وساحة للصراع على المناصب والنفوذ. تحوّلت من دولة كانت تُخرّج العلماء وترسل طلابها إلى أرقى جامعات العالم، إلى بلد ينهشه الفساد، وتديره جماعات تتاجر بالبشر وتُغذي الهجرة غير الشرعية.
أي كرامة بقيت، ومواطنو ليبيا يُهانون، وتُلصق بهم التهم جزافًا؟ أي هيبة تلك التي تسقط أمام مشهد امرأة أو رجل يُسجن فقط لأنه طالب بحياة كريمة؟
الكرامة التي يدّعيها البعض اليوم ليست سوى غطاء لمؤامرة أُحيكت لتمزيق ليبيا، وقتل قائدها الذي أراد لها العزة والرفعة، لا لبلاده فقط، بل للأمة العربية بأكملها.
إلى أولئك الذين يتشدقون بالكرامة وهم يدمّرون الوطن باسمها: الكرامة لا تكون بالخراب والانقسام، بل بالبناء والتوحيد. الكرامة لا يصنعها أشباه الرجال ولا العملاء، بل الأحرار الذين يضحّون من أجل أوطانهم، لا من أجل مصالحهم.
ليبيا لا تحتاج من يرفع راية الكرامة زيفًا، بل من يعيدها فعلًا لشعبها، لا لحساب طرف أو جهة أو تيار.

كاتبة ليبية