حمد التميمي: السودان يواجه الكوليرا.. فيروس وسط أزمة إنسانية شديدة

حمد التميمي: السودان يواجه الكوليرا.. فيروس وسط أزمة إنسانية شديدة

 

حمد التميمي
وسط مشهد يمزج بين صراع البقاء والانهيار الصحي، يواصل تفشي الكوليرا في السودان حصد المزيد من الضحايا، ليصبح أكثر من مجرد وباء عابر. الخرطوم، التي لطالما كانت رمزًا للحياة، تتحول تدريجيًا إلى بؤرة صحية مضطربة، حيث يواجه السكان تحديًا وجوديًا أمام مرض يتسلل بصمت لكنه يترك أثرًا مدمرًا. لم يكن تفشي الكوليرا نتيجة صدفة، بل جاء على خلفية حرب مستمرة، بنية تحتية متدهورة، ونقص حاد في مياه الشرب النظيفة، مما وفر بيئة مثالية لانتشار المرض بسرعة مذهلة.
في شوارع العاصمة، يصبح السؤال اليومي للسكان: كيف نحصل على مياه آمنة؟ يضطر الكثيرون إلى شراء مياه الشرب من الباعة المتجولين، الذين يجلبونها من نهر النيل أو آبار غير معالجة. أحد المواطنين يصف الوضع بقوله: “ندفع ثلاثين ألف جنيه سوداني مقابل برميل مياه، لكننا لا نعرف أن كانت نظيفة أم لا. لا خيار لدينا سوى الشرب منها، رغم أننا نعلم أنها قد تكون ملوثة.” هذا الواقع القاسي يجعل الحياة اليومية أشبه برحلة محفوفة بالمخاطر، حيث لا أحد يعلم أن كان كوب الماء الذي يشربه اليوم سيكون سببًا في مرضه غدًا.
لكن التأثير لا يقتصر على الجانب الصحي، بل يمتد إلى تفكك النسيج الاجتماعي. مع تسجيل أكثر من 7700 حالة إصابة في الخرطوم وحدها، أصبح النزوح الداخلي واقعًا يفرض نفسه، حيث يبحث السكان عن مناطق أقل تضررًا. هذه التحركات القسرية لم تترك الأسر سليمة، بل تسببت في انفصال أفرادها، حيث يهرب البعض بحثًا عن العلاج، بينما يبقى الآخرون في مناطق موبوءة. في الوقت نفسه، أُغلقت المدارس في المناطق المتضررة، ليصبح آلاف الطلاب خارج العملية التعليمية، في مشهد يهدد جيلاً كاملاً بحرمانه من حقه الأساسي في التعلم.
في مراكز العزل، تتردد أصوات العاملين في المجال الصحي الذين يقفون في الخطوط الأمامية لمواجهة المرض. “المراكز ممتلئة بالكامل، المرضى يتوافدون بلا توقف، بعضهم يصل في حالة حرجة جدًا،” يقول أحد مسؤولي منظمة أطباء بلا حدود. في ظل نقص الأدوية والمحاليل الوريدية، أصبح تقديم العلاج تحديًا يوميًا للعاملين في المجال الطبي، الذين يكافحون بلا إمكانيات كافية لإنقاذ الأرواح.
على الصعيد الاقتصادي، ترك الوباء أثرًا مدمرًا على الأسواق المحلية، التي فقدت نشاطها بسبب القيود الصحية والخوف من العدوى، مما أدى إلى خسائر كبيرة للتجار. كما أن النزوح والتلوث أثرّا على الإنتاج الزراعي، مما يهدد الأمن الغذائي للبلاد، حيث تكافح الأسر يوميًا للحصول على ما يكفي من الغذاء وسط ارتفاع الأسعار وتراجع الموارد.
ومع اقتراب موسم الأمطار، تتزايد المخاوف من أن تكون هذه المرحلة نقطة تحول قاتلة للصحة العامة في السودان. مياه متدفقة تحمل معها المرض، مناطق تغرق في الفوضى، وحدود صحية تتلاشى يومًا بعد يوم. هذه التغيرات المناخية قد تجعل السيطرة على الكوليرا أكثر صعوبة، إذ قد تمتد رقعة التفشي إلى مناطق جديدة، مما يزيد من التحديات التي تواجه الفرق الطبية والمنظمات الإغاثية.
أمام هذه الأزمة، يبقى السودان في مفترق طرق. هل سينجح في احتواء المرض قبل أن يتحول إلى كارثة أكبر؟ أم أن الكوليرا ستكون مجرد بداية لانهيار أوسع؟ الإجابة لا تكمن فقط في الأرقام، بل في القدرة على مواجهة المجهول الذي تحمله الأيام القادمة.
كاتب قطري