علي وطفي: “القبة الذهبية لترامب” دفعت الولايات المتحدة وأعداءها إلى سباق تسلح متجدد

علي وطفي
بعد ما جاء في خطاب ترامب أمام الكونغرس الأمريكي في يوم الرابع من آذار : “أطلب من الكونغرس تمويل درع دفاع صاروخي متطور، أمريكي الصنع بالكامل “القبة الذهبية” لحماية وطننا”.
فحسب الجنرال تشانس سالتزمان، رئيس العمليات الفضائية في قوة الفضاء الأمريكية، فإن القبة الذهبية ليست مبادرة واحدة، بل هي “منظومة من الأنظمة” تضم انظمة الدفاع الصاروخي الأمريكي الحالية و تُكملها بإطار جديد حديث بأمر الرئيس: “ستحمي الولايات المتحدة من الصواريخ الباليستية و الصواريخ الأسرع من الصوت و صواريخ كروز المتطورة و غيرها من الهجمات الجوية من خارج نطاق السيطرة”،
إذا تعود الولايات المتحدة إلى عهد رونالد ريغان، الذي أعلن آنذاك عن “مبادرة الدفاع الاستراتيجية”، المعروفة أيضًا باسم “حرب النجوم”، الذي جرّ الاتحاد السوفيتي إلى سباق تسلح. مما ادى إلى انهاكه اقتصاديا و لاحقا احد عناصر تفككه.
من البيت الأبيض بالفعل تم الاعلان عن إنشاء نظام دفاع صاروخي فائق التطور “القبة الذهبية”، و يُزعم أنه مخصص لأغراض دفاعية فقط هي مهمة “آيلون ماسك” مع شركات ٱخرى الذي سيُغطي الولايات المتحدة ، المكون من مئات الأقمار الاصطناعية التي ستكتشف الصواريخ و البنية التحتية لها برًا و بحرًا و جوًا ، بالإضافة إلى تحديد مواقع صواريخ العدو بدقة بعد الإطلاق و يعترضها مجموعة منفصلة من الأقمار الاصطناعية القاذفة في مرحلة التسارع باستخدام صواريخ اعتراضية او اشعة الليزر.
طبعا الهدف المعلن للنظام هو ضمان الدفاع الشامل عن أراضي الولايات المتحدة و مع ذلك يمكن توسيعه لحماية قواعد القوات ا الأمريكية المتمركزة في الخارج و حلفاء واشنطن في أوروبا و آسيا.
اما مدة انجازه تتراوح بين اثني عشر و سبعة عشر عامًا، لكن حسب قول الجنرال سالزمان ، فإنهم يخططون للإنتهاء من خطوطه العريضة قبل نهاية ولاية ترامب في يناير 2029. و لهذا سيعتمد المشروع ليس فقط على شركات دفاعية معروفة مثل لوكهيد مارتن، بل أيضًا على “لاعبين جدد” مثل سبيس إكس التابعة لآيلون ماسك، و أندوريل، و بالانتير بتكلفة تقترب من 200 مليار دولار بعد حصوله على ما يفوق الاربعة الالاف مليار دولار من ثلاثة دول خليجية.
كما نشر جيمس براون ، الخبير في مؤسسة كارنيغي، مقالًا تحليليًا بعنوان “ماذا سيعني نظام “القبة الذهبية” الأمريكي المضاد للصواريخ بالنسبة لروسيا؟” ، الكاتب يُقدم تنبؤًا أكثر مما يُقدمه المشروع العالمي الجديد للمالك الجديد للبيت الأبيض بالنسبة لمنافس أمريكا الجيوسياسي.
القبة الذهبية لاشك انها تمثل انعطافة عميقة في السياسة الأمريكية و من الواضح أنها تستهدف بالدرجة الاولى روسيا و الصين…
الخبراء العسكريين في موسكو على ثقة من أنه حتى مع قدراتها الحالية فإن الترسانة الاستراتيجية الروسية يمكنها التغلب على القبة الذهبية من خلال تدابير مضادة مثل الاسلحة و الصواريخ التمويهية و أجهزة التشويش و بإطلاق صواريخ أكثر مما يمكن اعتراضه و مع ذلك، في عالم الردع ، الثقة العالية لا تكفي يجب على الاستراتيجيين افتراض أسوأ سيناريو و أن القبة الذهبية ستكون فعالة ضد ضربة روسية ثانية على الأقل.” و ترسانة الأسلحة الهجومية التي يمتلكها الاتحاد الروسي ، لن تُشكّل الوسائل العسكرية التقنية التي سوف يستخدمها الأمريكيون في “القبة الذهبية” عائقًا أمامها ، فالنظام المقرر إنشاءه ليس جديدًا على الإطلاق ، إذ يُستخدم فيه مجموعة مدارية من الأقمار الصناعية فيها أنظمة مضادة للصواريخ و مراكز لتغطية منشآت استراتيجية مهمة و لكن اليوم تمتلك روسيا أسلحةً بمستوى صواريخ عابرة للقارات برؤوس متعددة و كثيرة مثل “يارس” و”أفانغارد” الذي لا مدى محدد له اي يمكنه ان يطوف حول الارض في الفضاء الخارجي و من ثم يتجه نحو الهدف و ايضا حاملات صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت بعدد من المرات بما في ذلك عند الضرورة أسلحة نووية ، فإن إنشاء نظام دفاع صاروخي أمريكي في الواقع لا يُشكّل أي تحديات إضافية” يؤكد خبراء صناعة الصواريخ الروسية ، و بالتالي روسيا لن تضطر إلى صنع أي أسلحة جديدة ، فلديها جيل من الأسلحة الهجومية متطور مقارنة مع امريكا و الغرب بحوالي عقد و نصف و التي ستتجاوز “القبة الذهبية” بسهوله حسب تقديرات الخبراء الروس.
في كل الاحوال لا ينبغي الاستهانة بالخطر المحتمل من هكذا مشروع كما جاء في تاكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ، ماو نينغ ، بأن هذا المشروع “ذو طابع هجومي واضح و ينتهك مبدأ الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي يعني (عسكرة الفضاء)، المنصوص عليه في معاهدة الفضاء الخارجي و يزيد من مخاطر و سباق التسلح مما يُقوّض الأمن الدولي و أنظمة ضبط التسلح”.
هناك أمر آخر و هو أن ظروف كل موسكو و واشنطن ليست مثالية ، روسيا في حالة حرب ، و أيضاً الولايات المتحدة تعاني من أزمة اقتصادية و مالية و حتى داخلية واسعة النطاق، تحاول إحياء قدراتها الدفاعية في وضع صعب و غير ملائم .
روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي السابق باقتصاده و خططه الخمسية و نظامه الاشتراكي مع العقلية الحزبية المتحجرة التي قادت البلاد مع أزمة فكرية و اقتصادية شاملة و بسبب نقص في الموارد عكس الصين الشيوعية ، و رغم العقوبات المهولة منذ العام 2014 التي فُرضت على روسيا اليوم مع وجود شبكة من المصالح الاقتصادية الثنائية ، خاصة مع الصين و الهند و انخارطها في التكتلات الإقتصادية المتنوعة ، مع وجود ما يكفي من المشاكل لديها ، فليس من خطر وجودي على الكيان الروسي ، رغم آراء العديد من الخبراء الاجانب الذين يصرون على سرعة انهيار روسيا على طريقة الاتحاد السوفيتي السابق.
كاتب سوري