التعاون الخليجي الآسيوي: دوافع جديدة للتنمية التجارية والطاقة والشراكات مع الصين في البيان المشترك

التعاون الخليجي الآسيوي: دوافع جديدة للتنمية التجارية والطاقة والشراكات مع الصين في البيان المشترك

ووي وي يانغ

في مشهد إقليمي ودولي يزداد تشابكاً وتعقيداً، يأتي البيان المشترك الصادر عن قمة الآسيان–الصين–مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في كوالالمبور يوم 27 مايو 2025، ليشكّل ملامح مرحلة جديدة من التعاون الثلاثي، تقوم على أسس المصالح المشتركة، والتنمية المستدامة، والتفاعل البنّاء في عالم متعدد الأقطاب. وبالتمعّن في هذا البيان، يمكن تلمّس ثلاثة محاور رئيسية باتت تشكّل وقود التعاون الاستراتيجي الجديد بين الأطراف الثلاثة: الطاقة، والتجارة، والترابط الإقليمي.
أولاً: الطاقة — التحول الاستراتيجي نحو الاستدامة والتكامل
يُبرز البيان اعترافاً صريحاً من الأطراف الثلاثة بالحاجة إلى التحوّل العادل والمستدام في مجال الطاقة، يتوافق مع اتفاق باريس للمناخ ويأخذ في الاعتبار تنوّع مصادر الطاقة الوطنية لكل دولة. ولا يخفى أن منطقة الخليج، بثرواتها الهيدروكربونية، تمثل لاعباً أساسياً في أمن الطاقة العالمي، بينما تمثل الصين والآسيان سوقاً ضخماً واستهلاكياً متسارعاً.
لكن ما يميز البيان هو الانتقال من مجرد تجارة الطاقة التقليدية إلى شراكات أعمق تشمل التقنيات النظيفة، والهيدروجين والأمونيا منخفضي الكربون، والطاقة المتجددة، والتقاط الكربون، والتعاون النووي السلمي. كما تم التأكيد على تطوير البنية التحتية للطاقة، بما في ذلك مشاريع الكابلات البحرية وشبكات نقل الكهرباء الإقليمية، مما يشي بتحوّل في الرؤية من الصادرات إلى الشراكات التكنولوجية وتكامل الأسواق.
هذا التوجه يفتح آفاقاً جديدة أمام دول الخليج لتأمين موقع ريادي في الاقتصاد منخفض الكربون، من خلال الاستثمار في الابتكار والمعرفة والتدريب في مجال الطاقة الخضراء، وهو ما يعزّز التنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط.
ثانياً: التجارة — تعددية اقتصادية وتكامل الأسواق
يشدد البيان على التزام ثلاثي بنظام تجاري متعدد الأطراف قائم على قواعد منظمة التجارة العالمية، وهو ما يرسل رسالة واضحة ضد النزعات الحمائية والتجزئة الاقتصادية العالمية. كما رحّب البيان بإتمام مفاوضات تحديث منطقة التجارة الحرة بين الصين والآسيان (الإصدار 3.0)، وتطلّع الأطراف إلى الإسراع بإتمام اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي.
هذا الإطار يؤسّس لمرحلة جديدة من تكامل سلاسل التوريد، وتبادل الاستثمارات، وتطوير التجارة الرقمية والاقتصاد الأخضر. ويُذكر كذلك اقتراح إنشاء مجلس أعمال إقليمي ثلاثي لتعزيز الحوار بين القطاع الخاص، وهي خطوة عملية لتعميق التكامل الاقتصادي بعيداً عن الشعارات.
الفرص هنا لا تقتصر على التجارة في السلع، بل تمتد إلى التعاون المالي، بما في ذلك الدفع بالعملات المحلية، وتطوير الأسواق المالية، والتكنولوجيا المالية، وهي مجالات واعدة خاصة لدول الخليج الطامحة لأن تصبح مراكز مالية إقليمية وعالمية.
ثالثاً: الترابط — “الحزام والطريق” يتقاطع مع مبادرات الخليج وآسيان
من خلال الإشارة إلى دعم مبادرة “الحزام والطريق” وربطها بالمشاريع الإقليمية في البنية التحتية، يؤكد البيان أن الترابط الإقليمي لم يعد مجرد رؤية بل أصبح أولوية استراتيجية. يشمل ذلك الموانئ، الممرات اللوجستية، المنصات الرقمية، والمشاريع البحرية، وهي جميعاً عناصر حاسمة لتعزيز التبادل التجاري وتدفقات الاستثمار.
الأهمية هنا لا تكمن فقط في الجانب الاقتصادي، بل في البعد الجيوسياسي: فالصين تسعى لتعزيز تواصلها مع الشرق الأوسط عبر الخليج، والآسيان تسعى لتوسيع حضورها في غرب آسيا، ومجلس التعاون يبحث عن تنويع شركائه بعيداً عن الغرب التقليدي.
إن نجاح هذا المسار يتطلب تنسيقا مؤسسيا، وهو ما لمح إليه البيان عبر تفعيل الآليات الثلاثية والرباعية القائمة، بما في ذلك الصين–الآسيان، والصين–مجلس التعاون، والآسيان–مجلس التعاون.
ختاماً: نحو شراكة ثلاثية تعيد رسم التوازنات
ما يجمع بين الأطراف الثلاثة ليس فقط القرب الجغرافي أو المصالح الاقتصادية، بل رؤية جديدة للعلاقات الدولية تقوم على التعددية، والتكامل، وعدم التدخل، والربح المتبادل. في زمن تعيد فيه القوى الكبرى رسم خرائط النفوذ، تظهر هذه الشراكة كصيغة إقليمية قادرة على إنتاج الاستقرار والتعاون بدل الاصطفاف والمواجهة.
إن البيان المشترك لا يقتصر على الإعلان السياسي، بل يضع خريطة طريق واقعية وقابلة للتنفيذ لمستقبل ثلاثي مشترك. ومن هنا، فإن على الدول العربية، وخاصة في الخليج، أن تلتقط هذه اللحظة التاريخية وتحوّلها إلى مشاريع ومبادرات ملموسة تعزز مكانتها العالمية، وتخدم تنميتها المستدامة، وتؤسس لنظام إقليمي أكثر توازناً وشمولاً.

 باحث في قسم دراسات الدراسات الإقليمية والدولية بجامعة صون يات سين