الهند وباكستان.. مواجهة محتملة على خلفية هجوم كشمير
تصاعد التوتر بين الهند وباكستان ووسط مؤشرات تنذر بمواجهة محتملة على خلفية هجوم شنه مسلحون على مجموعة سياح في الجزء الخاضع لسيطرة الهند في إقليم كشمير وأسفر عن سقوط 26 قتيلا.
وفي خطوة تصعيدية متبادلة، اتخذ الطرفان مجموعة من الإجراءات الدبلوماسية والتجارية التي تشير إلى تصعيد غير مسبوق فيما دعت الأمم المتحدة الهند وباكستان إلى ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس”.
وطلبت السلطات الهندية والباكستانية من رعاياهما مغادرة أراضيهما على الفور وخفضت نيودلهي مستوى العلاقات مع إسلام آباد وأغلقت المعبر البري الوحيد بين البلدين، وعلقت معاهدة تقاسم نهر “إندوس” التي مضى عليها نحو ستة عقود.
وردت إسلام آباد بتخفيض مستوى العلاقات أيضا وإغلاق مجالها الجوي أمام شركات الطيران الهندية كما رفضت تعليق معاهدة تقاسم المياه، قائلة إن أي محاولة لوقف أو تحويل مسار المياه، التي هي من حقها، ستعده عملا حربيا.
وتابعت أن “أي تهديد لسيادة باكستان وأمن شعبها سيقابل بإجراءات صارمة على الأصعدة كافة”.
* مقتل 26 في وجهة سياحية بكشمير
قام مسلحون مشتبه بهم بقتل 26 رجلا في وجهة سياحية بكشمير في أسوأ هجوم على المدنيين في البلاد منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري قال إن هناك تورطا عبر الحدود في الهجوم وإن نيودلهي ستعلق معاهدة تقاسم نهر إندوس التي مضى عليها 6 عقود بالإضافة إلى إغلاق المعبر البري الوحيد بين الجارتين.
الهجوم الذي وقع في منتجع “باهالجام” على بعد 90 كيلومترا من مدينة سريناجار، نفذه ثلاثة مسلحين على الأقل وأسفر عن مقتل 25 شخصا من الهند ونيبال، وفق الشرطة الهندية.
وأعلن بيان صادر عن جماعة تسمي نفسها “جبهة المقاومة” مسؤوليتها عن الهجوم، ويعتقد أنها فرع من جماعة “لشكر طيبة” الباكستانية.
وربط البيان هذه الهجمات بمنح آلاف تصاريح الإقامة للهنود، مما يسمح لهم بالعيش والعمل في إقليم كشمير.
وصرح مسؤولون هنود بأنهم يشتبهون في أن 4 مهاجمين شاركوا في الهجوم، اثنان منهم من باكستان، واثنان من الجزء الخاضع للإدارة الهندية من كشمير.
ورغم إعلان “جبهة المقاومة”، فإن نيودلهي وجهت أصابع الاتهام الضمني لإسلام آباد، دون إعلان رسمي، فإن رئيس الوزراء الهندي خرج بخطاب شديد اللهجة متوعدا بملاحقة المسؤولين “إلى أقاصي الأرض”.
* مخاوف من تحول التوتر إلى نزاع مفتوح
وعقب الهجوم، تصاعد التوتر بين الجانبين وأفاد مسؤول في الشطر الباكستاني من كشمير اليوم الجمعة، بأن القوات الباكستانية والهندية تبادلت إطلاق النار خلال الليل على طول خط السيطرة الفعلي، الذي يشكل الحدود بين البلدين في كشمير.
وفي المقابل، أفادت مصادر عسكرية هندية بأن الجيش الهندي قام بالرد على إطلاق نار من جانب القوات الباكستانية استهدف بعض المواقع الهندية على طول خط السيطرة في جامو وكشمير.
هذا التصعيد قد يعيد العلاقات الثنائية إلى أسوأ حالاتها، وسط مخاوف من تحول التوتر إلى نزاع مفتوح، خصوصا أن الجانبين يمتلكان قدرات نووية وتاريخا طويلا من النزاعات حول إقليم كشمير.
في المقابل، نفت باكستان بشدة أي دور لها في الهجوم، مؤكدة التزامها بالسلام، لكن بيان رئيس الوزراء شهباز شريف أشار بوضوح إلى أن بلاده لن تتهاون مع ما وصفه بـ”التهديدات الهندية”، مؤكدة أنها سترد بقوة على أي عمل يعتبر انتهاكا لمعاهدة نهر السند.
* كشمير… صراع مستمر منذ التقسيم
تعود جذور النزاع إلى عام 1947 حين قسمت بريطانيا مستعمرتها الهندية إلى دولتين مستقلتين: باكستان ذات الغالبية المسلمة، والهند ذات الغالبية الهندوسية.
وكان وضع إقليم كشمير، ذي الأغلبية المسلمة معقدا وكان مهراجا كشمير، هاري سينج، حاكما هندوسيا لإقليم ذي غالبية مسلمة يقع بين البلدين، ولم يتمكن من اتخاذ قرار، فقام بتوقيع اتفاقية “تجميد مؤقت” مع باكستان، بهدف الحفاظ على خدمات النقل وغيرها من الأمور الإدارية.
وفي أكتوبر 1947، غزا رجال قبائل من باكستان إقليم كشمير، مدفوعين بتقارير عن اعتداءات على المسلمين، وسخطا من مماطلة هاري سينج في اتخاذ القرار وعندها طلب المهراجا المساعدة العسكرية من الهند.
واعتقد الحاكم العام للهند، اللورد مونتباتن، أن السلام سيكون أفضل بانضمام كشمير إلى الهند مؤقتا، ريثما يجرى تصويت على وضعها النهائي.
بعدها وقع هاري سينج وثيقة الانضمام في ذلك الشهر، متنازلا بذلك عن السيطرة على السياسة الخارجية والدفاعية للهند.
واستولت القوات الهندية على ثلثي الإقليم، بينما استولت باكستان على الجزء الشمالي المتبقي.
وفي خمسينيات القرن الماضي، احتلت الصين الأجزاء الشرقية من الولاية المعروفة باسم أكساي تشين.
ولكن يظل تحديد ما إذا كان قد تم توقيع وثيقة الانضمام أم دخول القوات الهندية أولا مصدر خلاف رئيسي بين الهند وباكستان، حيث تصر الهند على أن هاري سينج وقع أولا، ما أضفى شرعية على وجود قواتها.
بينما تصر باكستان على أن المهراجا لم يكن بإمكانه التوقيع قبل وصول القوات، وأنه والهند تجاهلا بالتالي اتفاقية “تجميد الوضع” مع باكستان.
وتطالب باكستان بإجراء استفتاء لتحديد وضع كشمير، في حين تجادل نيودلهي بأن مشاركة الكشميريين في الانتخابات الهندية المتعاقبة، سواء على مستوى الولايات أو البرلمان الوطني، تعد تأكيدا على انضمامهم إلى الهند.
وتستند باكستان في مطلبها إلى العديد من قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى استفتاء تشرف عليه المنظمة الدولية، بينما ترد الهند بأن “اتفاقية شملا” الموقعة عام 1972 تلزم البلدين بحل النزاع عبر مفاوضات ثنائية مباشرة.
ولم يحدث أي تقدم يذكر في مواقف الطرفين منذ عقود.
وبالإضافة إلى ذلك، يسعى بعض الكشميريين إلى خيار ثالث، وهو الاستقلال، وهو خيار لا تقبل به لا الهند ولا باكستان.
وخاضت الهند وباكستان حربين بسبب كشمير عامي 1947-1948 و1965.
وقد تم تثبيت خط وقف إطلاق النار الأصلي رسميا باسم “خط السيطرة” في اتفاقية شملا، لكن ذلك لم يمنع وقوع اشتباكات جديدة في عام 1999 في منطقة نهر سياتشين الجليدي، التي تقع خارج خط السيطرة، كما كاد البلدان أن يدخلا في حرب جديدة عام 2002.
* 3 حروب ونزيف مستمر
منذ ذلك الحين، خاضت الهند وباكستان 3 حروب بسبب كشمير، ووقعت حوادث عنف متكررة، تخللتها عمليات مسلحة وتفجيرات.
وتعد الحرب الأخيرة عام 1999 من أبرز محطات النزاع، إلا أن التفجير الانتحاري عام 2019 الذي أودى بحياة أكثر من 40 جنديا هنديا، كاد يشعل حربا شاملة، بعدما اتهمت نيودلهي جماعة “جيش محمد” المدعومة من باكستان بتنفيذه.
* عقد من الجمود السياسي
رغم محاولات التوسط الأممية ومساعي التهدئة، بقيت مواقف الطرفين متصلبة فالهند تتهم باكستان بدعم الانفصاليين، في حين تطالب إسلام آباد باستفتاء أممي يمنح الكشميريين حق تقرير المصير.
ووسط هذا الجمود، استمر القلق الدولي من تصاعد الأزمة، خصوصا في ظل امتلاك البلدين السلاح النووي.
في عام 2019، قررت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلغاء الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به جامو وكشمير، ما أثار موجة احتجاجات وأدى إلى فرض حكم مركزي مشدد، رافقه تقييد للحريات وقطع للاتصالات واعتقالات واسعة، وسط إدانات باكستانية ومخاوف دولية.
رغم تراجع وتيرة العنف مؤخرا، وعودة الانتخابات في بعض المناطق، فإن الإجراءات الأمنية المشددة أبقت الغضب الشعبي كبيرا، سواء في كشمير الخاضعة للهند، أو تلك الواقعة تحت إدارة باكستان، حيث ظهرت احتجاجات تعكس استياء من الأوضاع الداخلية.
ومع تصاعد التوتر إثر الهجوم الأخير، باتت المخاوف من اندلاع صراع مفتوح بين القوتين النوويتين أكثر جدية.
وبين الاتهامات المتبادلة والتصعيد السياسي والإجراءات العسكرية، تبدو كشمير مرة أخرى على حافة الانفجار، في نزاع تتجاوز تداعياته حدود الجغرافيا ليهدد الاستقرار الإقليمي كله.
* أين يقع إقليم كشمير
تحتل منطقة كشمير موقعا جغرافيا إستراتيجيا بين وسط وجنوب آسيا حيث تشترك في الحدود مع أربع دول، هي الهند وباكستان وأفغانستان والصين.
وتبلغ مساحتها الكلية 86023 ميلا مربعا أي نحو 223000 كيلومتر مربع، يقسمها منذ عام 1949 خط وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، ويعرف بـ”خط الهدنة” منذ توقيع “اتفاقية شملا” بينهما عام 1972.
وتبلغ مساحة الجزء الهندي 53665 ميلا مربعا ويسمى جامو وكشمير عاصمتها الصيفية سرينجار وعاصمتها الشتوية جامو، في حين تسيطر باكستان بطريقة غير مباشرة على 32358 ميلا مربعا يعرف باسم ولاية كشمير الحرة وعاصمتها مظفر آباد.
وقد اختلفت الأرقام التي تتحدث عن عدد سكان كشمير تبعا للجهة التي تصدرها، فطبقا لإحصائية هندية أجريت عام 1981 فقد بلغ عدد سكان الولاية 6 ملايين نسمة تقريبا، شكل المسلمون منهم 64.2% والهندوس 32.25% والسيخ 2.23% والبقية ما بين بوذيين ومسيحيين وأقليات أخرى.
أما المصادر الكشميرية شبه المستقلة فتقدر عدد الكشميريين في الجانبين الهندي والباكستاني وفي الدول الأخرى بـ13.5 مليون نسمة، بواقع 8.5 ملايين نسمة في جامو وكشمير، و2.5 مليون نسمة في كشمير الحرة، ومليون نسمة في جلجت وبلتستان.
وهناك 1.5 مليون نسمة موزعون في الهند وباكستان ودول الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة.. غير أن الحقيقة المتفق عليها هي وجود أغلبية مسلمة في الإقليم.