تقرير مركز دعم واتخاذ القرار يرصد تفاصيل الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين

تقرير مركز دعم واتخاذ القرار يرصد تفاصيل الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين

ترامب يريد إعادة صياغة الأولويات العالمية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية
مبادرة «الحزام والطريق» أسهمت فى توسيع دور الصين الاقتصادى عالميًا

للحرب وجوه أخرى غير استخدام السلاح. ولنا فى الصراع الاقتصادى الولايات المتحدة الأمريكية والصين خير دليل، وإذا كان الاقتصاد يمكنه أن يصلح ما أفسدته السياسة، إلا أنه بنفس القدر قادر على أن يصل بالصراع إلى أبعد مدى يمكن أن نتخيله.. فمتى يمكن لترامب أن يعلن الحرب بمفهومها الشامل؟ وهل يمكن للصين ولو اقتصادياً أن تفرض كلمتها القوية فى فى نظام عالمى ثنائى القطبية؟

هى التى دعت إلى السير على طريق الحرير تتعثر فى الأشواك التى رمى بها ترامب، لكنها – أى الصين – تواصل السير ببطء وثبات مثل تنين خرافى قادر على مواجهة الخصم وربما ابتلاعه أيضا.. لكن ما علاقة هذه المقدمة بمبادرة الحزام والطريق الصينية؟ ولماذا تشكل تلك المبادرة صداعاً فى رأس دونالد ترامب؟ وما هو مستقبل المبادرة وإلى ماذا تشير؟.. تقرير أخير نشر ضمن متابعات مركز دعم واتخاذ القرار يقدم الإجابة.

تعد مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتى يُشار إليها أحيانًا باسم طريق “الحرير الجديد”، واحدة من أكثر مشروعات البنية التحتية طموحًا على الإطلاق، وفى عام 2013 أعلن الرئيس الصينى شى جين بينج عن نيته إطلاق المبادرة، وكانت تهدف فى الأصل إلى الربط بين شرق آسيا وأوروبا من خلال بنية تحتية متطورة، وخلال العقد الماضي، توسّع المشروع ليشمل إفريقيا وأوقيانوسيا وأمريكا اللاتينية، مما عزز بشكل كبير نفوذ الصين الاقتصادى والسياسى فى مختلف أرجاء العالم، وتظهر المبادرة خطوات حثيثة من قبل بكين فى استعادة روح التعاون التى كانت موجودة فى العصور القديمة، مع طموح إحياء طريق الحرير القديم وكل المصالح المتبادلة التى نجحت فى تحقيقها.

 البداية القوية

يرصد التقرير البداية القوية لمبادرة إعادة إحياء طريق الحرير، حين أعلن الرئيس الصينى شى جين بينج عنها خلال زياراته الرسمية إلى كازاخستان وإندونيسيا عام 2013، وكانت الخطة فى البداية ذات شقين: الحزام الاقتصادى لطريق الحرير البري، وطريق الحرير البحري، أُطلق على المشروعين معًا فى البداية اسم مبادرة “حزام واحد، طريق واحد”، ثم أصبحا مبادرة “الحزام والطريق”، وقد أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق، وهى مبادرتها الأكثر شمولًا وطموحًا للمشاركة الخارجية، وتعتمد على دبلوماسية البنية التحتية الدولية للصين التى استمرت لسنوات، وتشير إلى طموحاتها لتعزيز استثماراتها فى الخارج، والقروض التجارية، ومنح المساعدات لمختلف البلدان.

وتتكون المبادرة من ثلاثة مكونات هي: الحزام الاقتصادى لطريق الحرير، وهو ممر عابر للقارات يربط الصين بجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وآسيا الوسطى وروسيا وأوروبا، وطريق الحرير البحرى وهو طريق بحرى يربط المناطق الساحلية للصين بجنوب شرق وجنوب آسيا وجنوب المحيط الهادئ وغرب آسيا وشرق إفريقيا، وطريق الحرير الرقمى الذى يركز على تبادل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعاون الرقمى مع الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

 الأرقام تتحدث

ذكر التقرير أنه بعد مرور أكثر من 10 سنوات من الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق، تجاوز إجمالى الالتزامات التراكمية للمبادرة تريليون دولار (1.05 تريليون دولار)، منها نحو 634 مليار دولار فى عقود البناء و419 مليار دولار فى الاستثمارات غير المالية، كما تم تنفيذ مشروعات واستثمارات فى إطار مبادرة الحزام والطريق فى العديد من الدول عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية ومنذ انطلاق المبادرة حتى يونيو 2023، تم توقيع أكثر من 200 اتفاقية تعاون ضمن المبادرة مع أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية.

هذا، وتواصل شبكة طريق الحرير البحرى توسعها، وبنهاية يونيو 2023، بلغ عدد الموانى التى تغطيها 117 ميناءً فى 43 دولة، وانضمت إليها أكثر من 300 شركة شحن صينية ودولية مرموقة وإدارات موانٍ ومراكز أبحاث وغيرها من الهيئات، كما وقعت الصين اتفاقيات ثنائية للنقل الجوى مع 104 دول شريكة فى مبادرة الحزام والطريق وفتحت رحلات جوية مباشرة مع 57 دولة شريكة لتسهيل النقل عبر الحدود.

كل ذلك أسهم فى تعزيز التبادل التجارى بين عام 2013 إلى عام 2022، حيث بلغت القيمة التراكمية للواردات والصادرات بين الصين والدول الشريكة فى مبادرة الحزام والطريق 19.1 تريليون دولار، بمعدل نمو سنوى متوسط قدره 6.4 وبشكل عام، طبقًا لتقديرات البنك الدولى أدت مبادرة الحزام والطريق إلى زيادة التجارة بين شركائها بنسبة 4.1%، وكذا جذب أكثر من 5% من الاستثمارات الأجنبية، هذا بالإضافة إلى رفع الناتج المحلى الإجمالى للدول منخفضة الدخل بنسبة 3.4%.

وبفضل مبادرة الحزام والطريق ارتفعت حصة الاقتصادات الناشئة والنامية فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى بنسبة 3.6% خلال الفترة من 2012 إلى 2021، ويُقدر البنك الدولى للمبادرة أن تولد نحو 1.6 تريليون دولار سنويًّا من العائدات العالمية بحلول عام 2030، ما يمثل نحو 1.3% من الناتج المحلى الإجمالى العالمي، وكذلك من المتوقع أن تساعد المبادرة فى انتشال ما يقرب من 40 مليون شخص من الفقر على مدار الفترة 2015 و2030، كما تجاوز إجمالى الإنفاق على مبادرة “الحزام والطريق” حاجز التريليون دولار خلال عقد من انطلاق المبادرة – وهو مبلغ هائل تخطط الصين لاسترداده من خلال خطط سداد الديون المتنوعة.

 الحزام والطريق وصعود ترامب

أشار التقرير إلى مصير المبادرة بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى فى يناير 2025، والذى يساهم فى إعادة تشكيل النظام العالمي، ويرى المحللون، أن مبادرة “الحزام والطريق” صارت هدفًا مبكرًا لسياسة ترامب “أمريكا أولًا”، التى تهدف إلى إعادة صياغة الأولويات العالمية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كما ذكروا أن هناك تحديات تواجه الصين رغم الفرص الاستراتيجية التى قد تتيحها مبادرة الحزام والطريق، وغالبا ما يتم تصوير الصين على أنها قوة تسعى لتغيير النظام العالمى من قبل السياسيين الأمريكيين، سواء الجمهوريين أو الديمقراطيين.

أما الرد الصينى على سياسة ترامب الخارجية فقد جاء من خلال مؤتمر ميونيخ للأمن العام الجارى 2025، حيث أكدت بكين التزامها بـ “تقديم المنافع العامة لدعم الحوكمة العالمية”، وأعلنت استعدادها للتعاون مع الاتحاد الأوروبى فى مشروعات البنية التحتية عبر مبادرة “الحزام والطريق.

 المواجهة تتصاعد

فى عام 2017، دعا الرئيس الصينى شى جين بينغ الولايات المتحدة الأمريكية للانضمام إلى المبادرة خلال زيارته لترامب فى ولاية فلوريدا، فى البداية، لم تعارض واشنطن المبادرة بشكل علني، لكن أصبحت لاحقًا جزءًا من الصراع الجيوسياسى بين البلدين وخلال إدارة بايدن، أطلقت مجموعة السبع مبادرة بديلة للبنية التحتية العالمية لمنافسة الحزام والطريق فى عام 2022، هى الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي، وتعهد زعماء مجموعة السبع بجمع 600 مليار دولار على مدى خمس سنوات لتمويل البنية الأساسية اللازمة فى البلدان النامية ولمواجهة المبادرة الصينية، مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض فى 2024، عادت المبادرة إلى دائرة الاستهداف الأمريكي، مما دفع بنما إلى الانسحاب رسميًّا منها وسط ضغوط من واشنطن.

التساؤل الأكثر جدلًا على الساحة هل ستتأثر المبادرة بالضغط الأمريكي، فقد أجاب عليه التقرير استناداً لآراء بعض المحللين الذين يرون أن استراتيجية “أمريكا أولًا” جعلت العالم أكثر إدراكًا لاستقرار وشمولية الحزام والطريق، مما يعزز من استمراريتها، وكذا فإن الانسحاب من المبادرة كما فعلت بنما هو “حدث عارض” وأن المزيد من الدول قد ترحب بالتعاون مع الصين، بغض النظر عن سياسات واشنطن، بالإضافة إلى ذلك يرى البعض أن تقليص الولايات المتحدة الأمريكية لمساعداتها الإنسانية العالمية قد يفتح نافذة استراتيجية للصين لتوسيع مشروعاتها الدولية عبر الحزام والطريق.

ويرى بعض المحللين أنه حتى لو قلّصت واشنطن التزاماتها فى المحيطين الهندى والهادئ، فقد تُبقى حلفاءها وشركاءها فى المنطقة يشكلون ضغطًا على الصين، خاصة فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبى وتايوان، ومن المتوقع أن تحاول الولايات المتحدة الأمريكية توسيع نفوذها على أمريكا اللاتينية، مما قد يشكل تحديًا مباشرًا للمصالح الصينية فى المنطقة.

اختتم التقرير بالإشارة إلى أن مبادرة “الحزام والطريق”ساهمت فى تقوية التعاون الإقليمي، وتوسيع دور الصين الاقتصادى عالميا، مع استثمارات قياسية تجاوزت حاجز التريليون دولار، وكذا موّلت مشروعات متنوعة فى آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، مما أدى إلى تحفيز النمو الاقتصادى فى الدول المشاركة، ومع ذلك، ورغم الإنجازات الكبيرة، تواجه المبادرة تحديات كبيرة، لا سيما مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فقد أعاد إحياء المنافسة الجيوسياسية، مما أدى إلى ضغوط اقتصادية وسياسية على الدول المنضمة للمبادرة، وكان انسحاب بنما من المبادرة تحت تأثير واشنطن مؤشرًا على محاولات الولايات المتحدة الأمريكية للحد من نفوذ الصين، ومع ذلك سيتوقف نجاح المبادرة على قدرة الصين على التعامل مع التوترات، والتكيف مع الأولويات العالمية المتغيرة.