حضر الناشرون المصريـون وغابت الكتب فى معرض الرباط

حضر الناشرون المصريـون وغابت الكتب فى معرض الرباط

وقائع إهمال معلن للثقافة

من رأى ليس كمن سمع، وأنا رأيت كل شيء، حيث كانت الحسرة والحزن فى عيون الناشرين المصريين المشاركين فى معرض الكتاب فى دورته الثلاثين فى العاصمة المغربية الرباط، فى الجناح الذى يضم دور النشر المصرية الحكومية  والخاصة، يمكن أن تشعر معهم بالحزن وتتذوق الحسرة، حيث جلس هؤلاء فى أماكنهم الفارغة من الكتب تقريبا، طاولات وأرفف فارغة إلا من بعض العناوين التى جاءت، إما بالطائرة «عدد محدود من الكتب» أو من كان يحتفظ بعدد قليل من العناوين مع ناشر مغربى فاستعادها لحفظ ماء الوجه.. بعضهم جلس فى مكانه أمام طاولة فارغة يتأمل العابرين من زوار المعرض ويتابع نظراتهم التى تشى بتساؤلات عديدة حول هذا الناشر الذى جلس بدون كتب، أو من جلس وأمامه عناوين محدودة، وبعضهم الآخر ترك المساحة المخصصة له وراح يتجول بين أروقة المعرض فى محاولة للتغلب على حالة اليأس التى أصابت الجميع، بعد أن تم افتتاح المعرض فى 17 أبريل، إذ حضر الناشرون المصريون وغابت الكتب المصرية!

كنت قد تلقيت دعوة من معرض الرباط  للمشاركة فى دورته الثلاثين من خلال الليلة الثانية من ليالى الشعر، وتقريبا ومنذ أن وطأت أقدامى أرض المعرض وكنت لا أعرف شيئا عن أزمة الكتب والناشرين، وإذا بكل من يقابلنى من الأصدقاء المغاربة أو العرب من الكتاب والمثقفين ويسألنى عن الكتب المصرية ولماذا تأخرت، أين الكتب، ما المشكلة، نحن ننتظر الكتب والعناوين الجديدة.. وقبل أن أجد إجابات لهذه الأسئلة تجولت فى جناح دور النشر المصرية، وإذا بى أجدها خاوية مهجورة إلا من أصحابها الذين جلسوا أمامها لا حول لهم ولا قوة، والتقيت ببعض الأصدقاء من الناشرين فى دور النشر الفارغة، وأذهلنى ما سمعته؛ فالأمر برمته إهمال شركة الشحن أو قل  إن المناقصة ذهبت إلى شركة غير منضبطة، حيث سلم الناشرون الكتب فى الموعد المحدد، ولكن تم إرسالها  إلى المغرب فى موعد متأخر، وبالتالى لم تصل إلى معرض الرباط  إلا بعد أسبوع من بداية المعرض، وبالكاد وصلت الكتب فى اليومين الأخيرين! فمن المسئول؟ توالت البيانات من اتحاد الناشرين ووزارة الثقافة ومن الناشرين على صفحاتهم الشخصية.. وامتلأت الصحف والمواقع بأسباب الأزمة وآثارها، وتوالت التصريحات من اتحاد الناشرين المصريين التى حمّلت شركة الشحن المسئولية، فهل سمعة الثقافة المصرية أصبحت مرهونة بسوء تصرف شركة شحن؟ للأسف هذه هى الحقيقية، فقد عبثت شركة الشحن بصورة الثقافة المصرية فى معرض دولى للكتاب!  نعم أعلن اتحاد الناشرين عن الأسباب سالفة الذكر ووعد بالتحقيق ومساءلة المتسبب، ووعد بالتعويض المادى للناشرين، ولكن ما حدث يتجاوز هذه الوعود والتصريحات وحتى الخسائر المادية الفادحة للناشرين، فالأمر يتعلق بسمعة الثقافة المصرية وصورتها فى المحافل الدولية الثقافية، فقد كان الحديث الرئيسى بين المثقفين من الضيوف والكتاب المغاربة حول هذه الأزمة وكيف تفاقمت حتى حضر الناشرون وغابت  الكتب، وما فهمته من الناشرين أنه لو كانت هناك متابعة من اتحاد الناشرين لشركة الشحن ما كانت هناك أزمة، فقد تأخرت الشركة فى إرسال الحاويات إلى السفن دون أن يتابع أو يهتم أحد، وقال البعض إن الشركة أرسلت أربع حاويات بدلا من ثلاث هى حصيلة الكتب التى من المفترض أن تشارك، والتأخير حدث بسبب الحاوية الرابعة التى هى خارج الاتفاق… فأين كانت لجنة المعارض باتحاد الناشرين؟ وكان وزير الثقافة المصرى ضمن المدعوين فى حفل افتتاح المعرض؛ أى أن التمثيل المصرى كان حاضرا وبقوة، كما كرمت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» بحضور د. أحمد هنو فى جناحها بالمعرض الفنان يحيى الفخرانى بجائزة «شخصية العام الثقافية»، كما كرمت خمسة شعراء: المغربى محمد بنيس، والكويتى أحمد العدواني، والعراقى ياسين طه الحافظ واسم الشاعرين الراحلين عبد الله البردونى من اليمن وسليم النفار من غزة.

وبالطبع لم يتفقد الوزير دور النشر الفارغة! بل إن  الجزء المخصص للهيئة المصرية العامة للكتاب والتى من المفترض أنها الممثل الرسمى لوزارة الثقافة وأكبر ناشر مصرى كانت مجردة لافتة تعلو مساحة فارغة من الكتب، ولم يجد المسئولون فيما بعد  حلا سوى إزالة اللافتة، وكأن المشكلة تم حلها بحذف اسم هيئة الكتاب من المعرض .

وصلت الكتب فى آخر يومين لدور النشر، وبالطبع هذا ليس كافيا ولن يمحو آثار الأزمة، وأتمنى أن يعرف جمهور القراء فى مصر والعالم العربى الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة  ومحاسبة المسئولين حسابا رادعا، فكما ذكرت لا يتعلق الأمر بسوء اختيار شركة شحن أو خسائر مادية دون شك أصابت الناشرين إصابات بالغة ولكن بصورة الثقافة المصرية، فرغم الشعور بالأسى والحزن وأنا أشاهد دور النشر فارغة من الكتب إلا أننى شعرت بالفخر لاهتمام جمهور المثقفين وحرصهم على اقتناء العناوين القادمة من مصر.

وبعيدا عن الأزمة فى هذه الدورة من المعرض الدولى للنشر والكتاب، حلت الإمارات ضيف شرف الدورة الثلاثين؛ حيث كان الاحتفاء من خلال هيئة الشارقة للكتاب التى قدمت مجموعة من الأنشطة الثقافية، بالإضافة إلى مشاركة عدد كبير من دور النشر وأيضا الفنون الشعبية التى قدمت أعمالها للزوار، هذا بالإضافة إلى الجزء الذى خصصه المعرض فى هذه الدورة للاحتفاء بمغاربة العالم، وهم الكتاب المغاربة الذين يكتبون بلغات أجنبية ويقيمون خارج المغرب فى دول العالم المختلفة، فتم الاحتفاء بهم فى الندوات الفكرية والأمسيات الشعرية، وقد أعجبت بهذا التوصيف الذى يبدو أنه تم استخدامه حديثا، فهم ليسوا أدباء المهجر وفقا لما جاء على لسان الشاعر حسن نجمى فى الندوة التى أقيمت حول كتاب الرواية العربية فى المهجر، بل أطلقوا عليهم اسم مغاربة العالم وهو تعبير دال على احتفاظهم بهويتهم المغربية  رغم أنهم يكتبون بلغات أخرى غير العربية، وتم  تكريم أربع شخصيات من مغاربة العالم  «عبد الله بونفور (متخصص فى الدراسات الآمازيغية)، والراحل الكاتب المسرحى (أحمد)، وللا خيتى أمينة بن هاشم العلوي، وهى أول صحفية مغربية فى الإذاعـة والتليفزيون البلجيكي، والراحل إدريس الشرايبي، بمناسبة الذكرى الـ 70 لصدور روايتـه التى حملت عنوان «التيوس» فى باريس، بالإضافة إلى أمسية شعرية تتضمن قراءات لقصائد باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية .

وأيضا تم تخصيص قسم خاص للاحتفاء بالثقافة الإفريقية.. ووفقا لما جاء فى كلمة وزير الثقافة محمد المهدى فى حفل الافتتاح تم اختيار أفريقيا وآدابها ضيف شرف فى هذه الدورة، مما يشكل فرصة للتقارب بين مختلف الثقافات الأفريقية والتعريف بتاريخ الدول الأفريقية وشعوبها.

معرض

فى الأمسيات الشعرية التى أقيمت فى الدورة الثلاثين ونظمتها دار الشعر التى يشرف عليها الشاعر مخلص الصغير توقفت كثيرا أمام جمهور الشعر الذى ازدحمت به القاعات، وكنت أتساءل مع الناقد صبحى حديدى: هل جاء كل هؤلاء من أجل الشعر؟ بالفعل جاءوا من أجل الشعر لأن الأمر تكرر فى أكثر من أمسية، جمهور متنوع من الشباب والكبار، فقط أربعة شعراء فى كل أمسية يقرؤون لمدة ساعة نصوصهم على الجمهور، وقد تم اختيار الشعراء فى كل أمسية، من الدولة ضيف الشرف، ومغاربة العالم والشاعر القادم من دولة عربية أو أجنبية ثم شاعر مقيم فى المغرب، وهذا التقليد حافظت عليه الأمسيات الشعرية فى كل الليالى، بالإضافة إلى الموسيقى والغناء بعد الأمسية الشعرية .

معرض النشر والكتاب الذى يقام فى الرباط كان قبل توقفه لمدة عامين بسبب جائحة كورونا يقام فى مدينة كازبلانكا، ومنذ عامين أصبح مقره مدينة الرباط التى تجولت فيها أيام  إقامتى فى المغرب، هذه المدينة المدهشة.

«وللحديث بقية حول الشعر والمدينة».