الطاقة الخضراء ودورها في تعزيز السياحة المستدامة: دراسة حالة عن عجلون – بقلم: الدكتور المهندس عطا الشياب

الطاقة الخضراء ودورها في تعزيز السياحة المستدامة: دراسة حالة عن عجلون – بقلم: الدكتور المهندس عطا الشياب


في قلب الشمال الأردني، حيث تتعانق الجبال بالغيم، وتغفو الغابات على وسائد الضباب، تقف محافظة عجلون كدرّةٍ من درر الطبيعة البكر، تزهو بتنوعها البيئي وتاريخها العريق، وتُغري العابر والمقيم بجمالٍ لا يبهت، وهدوءٍ لا يُضاهى. غير أن هذا الجمال الآسر يواجه تحديًا متناميًا يتمثل في كُلفة الطاقة المرتفعة التي تُثقل كاهل المشاريع السياحية وتحدّ من انطلاقتها، رغم ما تختزنه الأرض من إمكانات واعدة. وهنا تبرز الطاقة الخضراء كحَبل خلاصٍ حضاريّ، يُفضي إلى تنميةٍ مستدامةٍ لا تُخرّب الجمال بل تحرسه، ولا تُثقل الكُلف بل تُخففها، وتمنح الاستثمار أجنحة من أملٍ واستدامة. إنّ عجلون بما حباها الله من سطوع شمسي، وهبوبٍ معتدلٍ للرياح، مؤهّلة لتكون نموذجًا متقدّمًا في تبنّي مشاريع الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بأسلوب يُحاكي الطبيعة ولا يُعاديها.إنّ تحويل المشاريع السياحية القائمة والمستقبلية في عجلون إلى نظم تعتمد على الطاقة النظيفة، لا يُعدّ ترفًا بيئيًا، بل هو قرار استراتيجي يُخفّض التكاليف التشغيلية، ويعزز القدرة التنافسية، ويُغري المستثمرين الجادين الذين يفتشون عن بيئة استثمارية ذات مردود اقتصادي وسمعة بيئية راقية.فالسياحة في عجلون لا تقوم فقط على المواقع التاريخية أو المنتجعات الطبيعية، بل على الطابع النقي للبيئة، وصفاء الهواء، وخضرة الغابات، وتغريد الطيور. والطاقة التقليدية، بما تحمله من انبعاثات وتلوث بصري وصوتي، تُهدد هذا النقاء، في حين أن الطاقة الخضراء تُصالح الإنسان مع الطبيعة، وتُثبت أن التنمية لا تعني بالضرورة الفتك بالبيئة.إنّ التوسع في استخدام الطاقة النظيفة في محافظة عجلون سيُعيد رسم الخريطة الاستثمارية فيها، ويُحوّلها إلى بيئة جاذبة لرؤوس الأموال الباحثة عن مشاريع ذات طابع مستدام، ويخلق فرص عملٍ نوعيّة في مجالاتٍ لم تكن مألوفة في السابق، كالتركيب والصيانة وتطوير النظم الخضراء، إضافةً إلى تعزيز السياحة البيئية التي باتت من أسرع أنماط السياحة نموًا في العالم.ونستطيع الجزم أنّ عجلون اليوم أمام مفترق طريق، إما أن تبقى أسيرة النماذج التقليدية في الاستثمار، أو أن تُبادر إلى تبنّي خيارٍ أخضر، يربط بين الجمال والعقل، ويُنتج نموذجًا أردنيًا فريدًا في التنمية السياحية المستدامة.