“رعودٌ هائمة في الفجاج” لسيف الرحبي.. نصوصٌ في السيرة والشعر وأدب الرحلة

مسقط في 28 أبريل/ العُمانية/ يمثل كتاب
“رعود هائمة في الفجاج” للشاعر العُماني سيف الرحبي، بوحًا سرديًّا يجمع
بين الشعر والسرد وأدب الرحلة والكتابة السيرذاتية، معرِّجًا على موضوعات شتى وسبل
كتابة متفرقة.
يضم الكتاب الصادر حديثًا بغلاف من تصميم
الفنانة العُمانية بدور الريامية، ثمانية محاور؛ بعضها في نص وحيد، وبعضها الآخر
يطوف من خلالها الكاتب بين شخصياتٍ التقاها وتأثَّر بها وتأثَّرت به.
ففي النص الأول “في ضوء صباح غائم”،
يفتتح الشاعر كتابته بوصف لمشهد رعدي، قائلًا: “الرعد كان يبدأ من أعالي
الوادي المسوَّر بالجبال، يُهمهمُ ويسري في عروق السماء والغيوم المنذرة بالمطر
كما في عروق البشر وأوصالهم (الأطفال خاصةً)، الرعود الهائمة ببروقها التي تضيء
الأزلَ كما تضيء القوافل العابرةَ في الوادي، والقطارات في محطات المدن البعيدة.
رعود الآلهة والبشر”.
هذا النص يحوي مقطعين فقط، إذ يتابع الشاعر في
مقطعه الثاني، مختصرًا حكمة الحياة، بقوله: “وسط قيامةِ الموت والسلاح
يزرع (عزيز أبو شيخة) فسيلة زيتون أو كمثرى.
بصمتٍ جنائزيٍّ يزرعها، لكن لسان حاله وحال
الجموع المكلومة يُلجِم الفضاء بالصراخ والعويل في وجه العدوان والعالم:
هذه هي حياتنا، صبرنا الذي سينمُو ويزهر غدًا،
وبعد غدٍ التاريخ المضرّج والمصير”.
وفي نص
بعنوان “إلى شاعر” يصوّر الرحبي تلك الحالة المتمثلة في لحظة الإلهام
التي تتمثَّل للمبدع وكأنها قوى جاذبية علوية تشدُّ الشاعر أو الكاتب بالكليَّة،
متمخِّضةً عن نصٍّ يولد كجنين مكتمل لحظة البزوغ.
لم يترك الرحبي مفردة من مفردات حياته اليومية
إلَّا وجعل لها نصيبًا ممَّا كتب، حتى تلك الموجة التي قرَّر أن يخلِّدها في
كتابه، حين خاطبها قائلًا:
“مباركةٌ أيتها الموجة القادمة من ضفاف
البحر العُماني
مباركٌ وصولُك بعد أن اجتزتِ الهوامّ والارتطامات
إلى بحرِ العندمان الهائج هذا الصباح
حيث أجلس محدقًا في الزبد والأعالي
مباركةٌ أيتها الموجة العُمانية في حِلِّك
وترحالك
لأنك الوحيدة على هذا النقاء العادل المغامر
حين
تحوّل البشر إلى جيفةٍ ومسوخ”.
ويقتطف الرحبي من كل بستان زهرة، ومن كل لقاء
موقفًا، فقد تحدث عن عدد من الشخصيات التي التقاها في سفراته وصولاته وجولاته، حتى
إنه لم يترك شاعرًا ولا أديبًا ولا فنانًا ممن التقاهم إلا وأفرد له عددًا من سطور
هذا الكتاب، فها هو في تلك الصحبة من النصوص التي اختار لها عنوان “مقاطع
باريس، تارةً يتحدث عن شارع الشانزلزيه، بما له من أناقة ولمعان، وطابع مميز.
ويعرِّج الرحبي على عدد من الأدباء الفرنسيين
البارزين في تلك المقاطع الأدبية السردية التي تحمل بين حروفها روح الشعر، سواءً
حين تحدث عن بودلير أو باسكال، ثم يستطرد واصفًا أجواء رحلته الباريسية.
أما ذلك الجزء الذي اختار الرحبي أن يعنونه
“وجوه ومشاهد وتغريدات”، فإن الرحبي يتحدث فيه عن عدد من الشعراء
والمبدعين من ربوع الوطن العربي، ومنهم: الشيخ العارف بالله حمود الصوافي، والشيخ
أحمد بن سعود السيابي، والنسّاخ والراوية محمد بن حسن الرمضاني، والشاعر فتحي عبد
الله، والشاعر مبارك العامري، والشاعر حسان عزت، والفنانة فاطمة لوتاه، والشاعر
عقل العويط.
يختار الرحبي أجزاء من نصوص لهؤلاء، أو مواقف
جمعته بهم في رحلته يحكي عنها كعلامات فارقة على طريقه وبين أسفاره.
وفي النص الذي اختار له عنوان “سيوران في
الزمن العربي الراهن”، يتحدث الرحبي عن كتاب إيميل سيوران “غسق
الأفكار”.
ويختم الرحبي كتابه بنص شعري عنونه
“بيروت”، ربما يمزج فيه الحنين بالوجع وبالحب وبالبكاء، وربما يبحث عن
ذاته التي يفتقدها؛ يبحث عنها هناك على شاطئ بيروت.
/العُمانية/النشرة الثقافية/
جعفر العقيلي