فك شيفرة “فالكون 180B”: رحلة داخل عقل عملاق رقمي وكيفية بناءه

تخيل للحظة رقماً: 180 مليار. ليس مليوناً، بل مليار. هذا هو عدد “البارامترات” أو المعاملات التي يحتوي عليها نموذج الذكاء الاصطناعي “فالكون 180B”. لو حاولت عَدّ هذا الرقم بمعدل رقم كل ثانية، لاستغرق الأمر منك أكثر من 5700 عام! هذا العدد الضخم يضعنا أمام وحش رقمي حقيقي، ويجعلنا نتساءل: ما معنى كل هذه الأرقام؟ وكيف يمكن بناء شيء بهذا التعقيد الهائل؟
دعنا نبسط الأمور قليلاً. نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) مثل “فالكون” هي في جوهرها شبكات عصبية اصطناعية معقدة للغاية. فكر في “البارامترات” كأنها مقابض وأزرار دقيقة جداً داخل هذه الشبكة. كلما زاد عدد هذه المقابض والأزرار، زادت قدرة النموذج نظرياً على تعلم الأنماط المعقدة في اللغة وفهم الفروق الدقيقة بين الكلمات والمعاني. “فالكون 180B”، بهذا العدد الهائل من البارامترات، تم تصميمه ليكون قادراً على التعامل مع مهام لغوية معقدة جداً.
لكن كيف يتعلم هذا العقل الرقمي؟ هنا يأتي دور البيانات، والكثير جداً منها. تم تدريب “فالكون 180B” على ما يقرب من 3.5 تريليون “توكن”. الـ “توكن” يمكن أن يكون كلمة كاملة، أو جزءاً من كلمة، أو حتى علامة ترقيم. تخيل مكتبة رقمية بحجم لا يمكن تصوره تحتوي على نصوص من كل حدب وصوب من الإنترنت (تم تجميعها وتنقيحها بعناية في مجموعة بيانات اسمها RefinedWeb). عملية التدريب تشبه جعل النموذج يقرأ هذه المكتبة الهائلة مراراً وتكراراً، وفي كل مرة يحاول التنبؤ بالكلمة التالية في النص، ويقوم بتعديل تلك الـ 180 مليار مقبض وزر بناءً على مدى صحة توقعه. إنها عملية ضخمة ومكثفة حسابياً بشكل لا يصدق.
وهنا نصل إلى التحدي الهندسي الهائل: كيف توفر القوة الحاسوبية اللازمة لتدريب مثل هذا العملاق؟ أنت لا تتحدث عن جهاز كمبيوتر شخصي قوي، ولا حتى عن خادم جامعي متطور. أنت بحاجة إلى جيش من وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) المتطورة، مثل NVIDIA A100s – وهي رقائق قوية جداً ومصممة خصيصاً لمهام الذكاء الاصطناعي. يتطلب تشغيل 180B مئات الجيجابايت من الذاكرة، وتحتاج إلى ربط العديد من هذه الرقائق معاً في مجموعات ضخمة تعمل بتناغم تام. فكر فيها كأوركسترا سيمفونية رقمية عملاقة، كل عازف (GPU) يجب أن يؤدي دوره بدقة متناهية وبالتزامن مع الآخرين لمعالجة تريليونات التوكنات وتعديل مليارات البارامترات.
هذا النوع من البنية التحتية ليس شيئاً تبنيه بسهولة في قبو منزلك. هنا يأتي دور المنصات السحابية مثل خدمات أمازون ويب (AWS). منصات مثل Amazon SageMaker (لإدارة وتنظيم عملية التدريب والنشر المعقدة)، و Amazon S3 (لتخزين كميات البيانات الهائلة بأمان)، و Amazon EC2 (لتوفير القوة الحاسوبية الخام من خلال أساطيل من الـ GPUs) تعمل بمثابة “المصنع الرقمي” أو “المسبك” الذي يمكن فيه بناء وتشغيل مثل هذه النماذج الضخمة. بدون هذه الأدوات والبنية التحتية القوية، لكانت مهمة تدريب نموذج بحجم 180B شبه مستحيلة عملياً لمعظم المؤسسات. إنها توفر الأدوات والقدرات اللازمة لتحويل الأفكار النظرية الطموحة إلى واقع رقمي ملموس.
الآن، بعد بناء هذا الشيء المذهل، كيف تشاركه مع العالم؟ هنا تدخل التراخيص. استخدم “فالكون 180B” ترخيصاً يعتمد على”Apache 2.0″، وهو خيار شائع في عالم البرمجيات مفتوحة المصدر ويسمح بالكثير من الحرية في الاستخدام والتعديل. لكنه أضاف بعض البنود الخاصة. أحدها هو “قيود الاستضافة”، والتي تنظم بشكل أساسي كيف يمكن للآخرين تقديم النموذج نفسه كخدمة تجارية مدفوعة – فكر فيها كقواعد لكيفية مشاركة النسخ تجارياً على نطاق واسع. وهناك أيضاً “سياسة استخدام مقبول” منفصلة تحدد بعض الاستخدامات المسموحة والمحظورة. هذه آليات يتم استخدامها أحياناً لإدارة كيفية توزيع واستخدام البرمجيات أو النماذج المعقدة في بيئات مختلفة.
عندما خرج “فالكون 180B” إلى النور، أظهر قدرات مثيرة للاهتمام حقاً في الاختبارات القياسية (benchmarks). هذه الاختبارات هي طرق موحدة لقياس أداء النماذج في مهام محددة (مثل الإجابة على الأسئلة، أو فهم النصوص). تصدره لقائمة Hugging Face لنماذج اللغات الكبيرة المفتوحة في ذلك الوقت كان مؤشراً على القدرات التي تم تصميمها فيه، ووضعه في مرتبة متقدمة مقارنة بنماذج أخرى كانت متاحة في تلك الفترة.
وبالطبع، عالم الذكاء الاصطناعي لا يتوقف عن الحركة أبداً. إنه مجال يتطور بسرعة البرق. الأبحاث تستمر، وتظهر تقنيات وأفكار جديدة باستمرار. نفس الفريق في معهد الابتكار التكنولوجي واصل العمل، وأطلق نماذج لاحقة تستكشف اتجاهات مختلفة: “فالكون 2″ الذي يدمج فهم الصور مع اللغة (متعدد الوسائط)، و”فالكون مامبا” الذي يستخدم بنية مختلفة تماماً (تسمىstate-space model) تركز على الكفاءة، وسلسلة “فالكون 3” التي تقدم نماذج أصغر حجماً ومُحسّنة للاستخدام على أجهزة أقل قوة. هذا التطور المستمر هو السمة المميزة لهذا المجال البحثي المثير – دائماً هناك تحدٍ جديد، فكرة جديدة، وهندسة مبتكرة قيد التجربة.
في النهاية، قصة “فالكون 180B” من منظور تقني بحت هي شهادة على ما يمكن تحقيقه عندما تجتمع الأفكار الطموحة، والبيانات الهائلة، والقوة الحاسوبية الجبارة، والأدوات المتقدمة. إنها تفتح نافذة على التعقيد المذهل للذكاء الاصطناعي الحديث، وتذكرنا بأننا ربما لا نزال في المراحل الأولى جداً من فهم واستكشاف إمكانيات هذه العقول الرقمية التي نبنيها. والسؤال المثير دائماً هو: ما هي الحدود التالية التي ستكسرها هذه التكنولوجيا؟
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-avatar img {
width: 35px !important;
height: 35px !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-avatar img {
border-radius: 0% !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-meta a {
background-color: #655997 !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-meta a {
color: #ffffff !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-meta a:hover {
color: #ffffff !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_url-profile-data {
background-color: #655997 !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_url-profile-data {
border-radius: 100% !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_url-profile-data {
color: #ffffff !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_url-profile-data:hover {
color: #ffffff !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_email-profile-data {
background-color: #655997 !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_email-profile-data {
border-radius: 100% !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_email-profile-data {
color: #ffffff !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_email-profile-data:hover {
color: #ffffff !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-recent-posts-title {
border-bottom-style: dotted !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-recent-posts-item {
text-align: left !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-multiple-authors-boxes-li {
border-style: solid !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-multiple-authors-boxes-li {
border-color: #999999 !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-multiple-authors-boxes-li {
color: #3c434a !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-multiple-authors-boxes-li {
border-radius: px !important;
}
.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list .pp-multiple-authors-boxes-ul li {
border-left: none !important;
border-right: none !important;
}