حوكمة البيانات في عصر الذكاء الاصطناعي: نحو أمن استباقي يدعم الابتكار المؤسسي

حوكمة البيانات في عصر الذكاء الاصطناعي: نحو أمن استباقي يدعم الابتكار المؤسسي

يشكّل الذكاء الاصطناعي نقطة تحول كبرى في المشهد الرقمي العالمي، حيث بات أداة رئيسية تمكّن المؤسسات من أتمتة المهام، واستخلاص الرؤى، وتسريع الابتكار بوتيرة غير مسبوقة. ومع توسّع نطاق اعتماده، تتزايد المخاطر المرتبطة بكيفية استخدام البيانات وحركتها داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي. ووفقاً لتقرير صادر عن “ماكنزي”، فإن التهديدات السيبرانية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تأتي ضمن أبرز المخاوف التي تشغل الموظفين وصنّاع القرار على حد سواء.

وفي ظل تدفق البيانات عبر منظومات رقمية متشعّبة، تمثل مناسبات مثل “اليوم العالمي للنسخ الاحتياطي” و”يوم أمن السحابة” فرصة سانحة لمراجعة فعالية سياسات تأمين البيانات وحوكمتها. إذ لم يعد من الممكن الاكتفاء بإجراءات تقليدية، بل باتت الحاجة ملحّة إلى نهج شامل ومتكامل يتماشى مع بيئات البيانات الحديثة، سواء من خلال بنية مستودع البيانات أو عبر استراتيجيات متعددة السُحب. فمع تعمّق الذكاء الاصطناعي في قلب العمليات المؤسسية، تصبح الرؤية المستمرة، والتحكم الدقيق، والقدرة على الصمود، عناصر لا غنى عنها للحفاظ على سلامة البيانات وموثوقية القرارات.

بيئة متغيرة تتطلب رؤية أعمق

بخلاف البنى التحتية التقليدية التي تتسم بالثبات النسبي، تعمل نماذج الذكاء الاصطناعي ضمن بيئات متسارعة التحول. فهي تتعامل مع البيانات بشكل لحظي، من مصادر متنوّعة تشمل مراكز البيانات المحلية والسُحب العامة، وصولاً إلى واجهات الذكاء الاصطناعي الخارجية. هذا التدفق اللامركزي والمعقّد يُصعّب تتبّع أصل البيانات، وتحوّلاتها، والأطراف المخوّلة بالوصول إليها.

في غياب الحوكمة الفعّالة، تصبح المؤسسات عرضة لفقدان السيطرة على أحد أهم أصولها الاستراتيجية- البيانات.

الواقع الإقليمي… الحاجة إلى التحوّل من الدفاع إلى المبادرة

في منطقة الشرق الأوسط، لا تزال العديد من المؤسسات تعتمد على نماذج أمنية تفاعلية تتدخل فقط عند حدوث الخطر. غير أن هذا النموذج لم يعد يلائم التحديات المستجدة، لا سيما في بيئات الذكاء الاصطناعي. المطلوب هو حواجز أمنية استباقية ترافق البيانات منذ لحظة توليدها، بصرف النظر عن موقعها أو النظام الذي تُخزّن فيه.

كلما زادت البيانات، تضاعفت المخاطر

قوة الذكاء الاصطناعي تكمن في كثافة البيانات التي يتغذى عليها. فكلما زادت البيانات، زادت قيمة النماذج وقدرتها التنبؤية. لكن هذه الوفرة ذاتها تفتح الباب أمام تحديات أمنية وتشغيلية معقّدة. فكثير من المؤسسات تُدخل بيانات حساسة إلى نماذجها دون رؤية كاملة لكيفية معالجتها أو تنقّلها، مما يزيد من احتمالات التسريب أو الاستخدام غير المصرّح به.

تشير التقديرات إلى أن سوق مراكز البيانات في الشرق الأوسط بلغ حجمه 5.57 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو إلى 9.61 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 9.52%. هذا النمو المتسارع يعكس توسّع البنية التحتية الرقمية التي تعتمد عليها المؤسسات، ويؤكد أهمية تأمين هذا النظام البيئي المعقّد.

ومع تزايد عدد الفرق التي تعتمد على مخرجات الذكاء الاصطناعي، تتوزع البيانات عبر أنظمة مختلفة، ما يصعّب ضبطها ومراقبتها. وفي ظل غياب الإشراف الشامل، قد تتسرب معلومات حساسة أو يُساء استخدامها دون علم المؤسسة.

علاوة على ذلك، فإن تغذية النماذج ببيانات غير دقيقة أو متحيّزة أو غير محدثة، قد ينعكس سلباً على جودة المخرجات، مما يضعف الثقة بالذكاء الاصطناعي كمصدر لاتخاذ القرار. من هنا، تبرز أهمية أدوات التتبع مثل أوكتوباي من كلاوديرا، والتي تتيح فهماً معمقاً لحركة البيانات (Data Lineage) وتكشف عن الأخطاء قبل أن تُحدث أثراً فعلياً.

غموض النماذج ومخاطر السمعة

كثير من نماذج الذكاء الاصطناعي تعمل كبُنى مغلقة يصعب تفسير قراراتها أو فهم آلياتها الداخلية. هذا الغموض يُعد تحدياً على صعيد الامتثال والتنظيم، كما يمكن أن يعرّض المؤسسة لمخاطر تتعلق بالشفافية والسمعة، لا سيما إذا تعذّر تبرير مخرجات النظام.

ومع ديناميكية الذكاء الاصطناعي المستمرة، تصبح أدوات الحماية الثابتة عاجزة عن مواكبة التغيرات، مما يستدعي استبدالها بحوكمة ذكية قادرة على التكيّف والتنبؤ بالمخاطر.

من رد الفعل إلى الحوكمة الاستباقية

التحوّل إلى حوكمة استباقية يبدأ بإدماج الأمان في نسيج العمل اليومي للذكاء الاصطناعي، بدلاً من التعامل مع التهديدات بعد وقوعها. هذا التحوّل ضروري بشكل خاص في القطاعات الحساسة مثل المصارف والرعاية الصحية.

ورغم الأهمية المتزايدة للبيانات، أظهر تقرير حديث لشركة “جارتنر” أن 60% من المؤسسات لا تملك حتى رؤية واضحة لمواقع تخزين بياناتها الحرجة. هذه الفجوة المعرفية تُبرز الحاجة إلى بناء أساس متين للحوكمة يبدأ من الشفافية.

وينبغي أيضاً أن تكون آليات الحوكمة مؤتمتة وقابلة للتكيف، بحيث ترافق البيانات أينما ذهبت، وتلتزم بسياسات أمنية مرنة تتفاعل مع التغيرات في الوقت الفعلي. فأنظمة التحكم في الوصول يجب أن تكون دقيقة ومتجاوبة، تمنح الصلاحيات المناسبة للمستخدم المناسب في اللحظة المناسبة.

حوكمة الذكاء الاصطناعي: أولوية استراتيجية لا غنى عنها

لم يعد أمن الذكاء الاصطناعي مجرد قضية تقنية، بل أصبح مسألة حيوية تمسّ الاستقرار التشغيلي والامتثال التنظيمي وثقة العملاء. فالإخفاق في تأمين البيانات قد يؤدي إلى عقوبات قانونية، وخسائر مالية، وضرر بالغ بالسمعة.

المؤسسات التي تسعى لريادة المستقبل عليها أن تتبنّى منظومات حوكمة ذكية من الآن، لا أن تنتظر وقوع المخاطر لتتحرّك. فحماية اليوم هي ضمانة استقرار الغد.

قادة المرحلة القادمة هم أولئك الذين يرسّخون أمن البيانات والحوكمة الاستباقية في صميم استراتيجيات الذكاء الاصطناعي لديهم.

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-avatar img {
width: 35px !important;
height: 35px !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-avatar img {
border-radius: 0% !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-meta a {
background-color: #655997 !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-meta a {
color: #ffffff !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-meta a:hover {
color: #ffffff !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_url-profile-data {
background-color: #655997 !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_url-profile-data {
border-radius: 100% !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_url-profile-data {
color: #ffffff !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_url-profile-data:hover {
color: #ffffff !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_email-profile-data {
background-color: #655997 !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_email-profile-data {
border-radius: 100% !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_email-profile-data {
color: #ffffff !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .ppma-author-user_email-profile-data:hover {
color: #ffffff !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-recent-posts-title {
border-bottom-style: dotted !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-author-boxes-recent-posts-item {
text-align: left !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-multiple-authors-boxes-li {
border-style: solid !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-multiple-authors-boxes-li {
border-color: #999999 !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-multiple-authors-boxes-li {
color: #3c434a !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list.multiple-authors-target-the-content .pp-multiple-authors-boxes-li {
border-radius: px !important;
}

.pp-multiple-authors-boxes-wrapper.pp-multiple-authors-layout-simple_list .pp-multiple-authors-boxes-ul li {
border-left: none !important;
border-right: none !important;
}