نداء باريس: عندما يصبح الحوار وسيلة لتغطية الاحتلال.

أمد/ في الثالث عشر من حزيران/يونيو الجاري، تستضيف العاصمة الفرنسية باريس مؤتمرًا بعنوان “نداء باريس”، ينظمه “منتدى باريس للسلام” ويجمع في قاعاته شخصيات فلسطينية وإسرائيلية، في مشهد يُسوَّق على أنه “لقاء حوار” و”فرصة لبناء السلام”.
لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها هي أن هذا المؤتمر لا يأتي في زمن عادي، بل في لحظة تُباد فيها غزة على رؤوس ساكنيها، وتُرتكب المجازر أمام كاميرات العالم، ويُحاصر شعبٌ بأكمله في سجون جماعية، وسط صمت دولي مُطبق. وفي هذا السياق، فإن أي مشاركة فلسطينية في مؤتمر كهذا، وإلى جانب شخصيات إسرائيلية متورطة في جرائم حرب، لا يمكن إلا أن تُقرأ كـ طعنة في خاصرة الموقف الوطني الفلسطيني، ومحاولة خطيرة لتبييض الاحتلال وتقديمه شريكًا محتملًا في “السلام”.
من المخجل أن بعض الشخصيات الفلسطينية، التي تقدم نفسها كممثلة للمجتمع المدني أو كـ”صوت العقل والانفتاح”، اختارت أن تكون جزءًا من منصة تخلط بين الضحية والجلاد، في محاولة لتصوير الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي كخلاف بين طرفين متكافئين، وليس كقضية استعمار استيطاني وعنصرية ممنهجة.
ما يحدث في “نداء باريس” ليس مبادرة حوارية محايدة، بل مشروع ترويض سياسي ناعم، يُراد له أن ينتج فلسطينيين يقبلون بواقع الاحتلال، ويقفون على طاولة واحدة مع قادة جيش يواصل قصف غزة، وهدم البيوت في الضفة، وتهجير المقدسيين. إنه جزء من سلسلة مشاريع تستهدف تطويع الوعي الفلسطيني والعربي، وزرع خطاب “الشراكة” مع دولة تمارس نظام فصل عنصري معترف به دوليًا.
إن مواجهة هذه الانزلاقات تتطلب وضوحًا أخلاقيًا وشجاعة وطنية، لا التورط في مشاهد فلكلورية لا تعني إلا تغطية الجرائم، وإعادة تدوير الاحتلال بلغة ناعمة.
نحن لا نرفض الحوار، بل نرفض الزيف السياسي الذي يُستخدم لتغطية القتل، ونرفض أن يُستخدم اسم فلسطين في مشاريع تطبيع تُحضّر لتصفية القضية لا لحلها.
الواجب اليوم أن نُحيّي أصوات المقاطعة والمقاومة، وأن نقف بوجه كل من يمدّ يده للمجرم، حتى لو لبس ثوب الحوار والسلام.