تقرير: “المزارع الرعوية” كحصان طروادة للاحتلال في الضفة الغربية

تقرير: “المزارع الرعوية” كحصان طروادة للاحتلال في الضفة الغربية

أمد/ كتبت مديحه الأعرج- المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان: تعود “المزارع الرعوية” التي يقيمها الاحتلال على نطاق واسع في الضفة الغربية، لتتصدر المشهد مجددًا. لم تعد هذه المزارع مجرد نقاط بسيطة على الخريطة، بل تحولت إلى أداة رئيسية في مشاريع الاستيطان الاستعماري والتطهير العرقي للحكومة الحالية، وعنصرًا فاعلًا في الصراع ضد إقامة دولة فلسطينية وتهويد البناء الفلسطيني في المناطق المصنفة “ج”.

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن هذه الخطوة تمثل كسرًا للتوازن القائم، حيث يسعى الاحتلال من خلالها إلى فرض سيطرته على مناطق كان قد تخلى عنها في خطة فك الارتباط عن قطاع غزة عام 2005. ورغم أن القائمين على هذا المشروع يحاطون خطواتهم بسرية تامة فيما يتعلق بمكان هذه المزارع وعملها، إلا أن المعلومات المتسربة من مجموعات إسرائيلية مناهضة للاستيطان، أبرزها مجموعة البحث “تمرور”، تكشف عن حجم الظاهرة وتأثيرها المدمر.

تنامي المزارع الرعوية: أرقام صادمة وتوسع ممنهج

تكشف بيانات “تمرور” عن تزايد هائل في أعداد هذه المزارع. ففي عام 2021، لم يكن هناك حتى مزرعة واحدة، ليرتفع العدد إلى 64 مزرعة في 2022، و82 في 2023، و118 في 2024 في ظل الحرب. أما اليوم، فقد وصل عددها إلى 133 مزرعة في أرجاء الضفة الغربية.

لا تكمن أهمية هذه المزارع في عددها فحسب، بل في مساحات أراضي الرعي الشاسعة التي تستولي عليها. فبينما كانت مساحات الرعي التي يسيطر عليها المستوطنون تبلغ 29 ألف دونم في عام 2012، قفزت إلى 116 ألف دونم في 2018. وشهدت الأعوام 2019 و2020 نموًا متسارعًا، لتصل المساحات المسيطر عليها إلى نحو 312 ألف دونم نهاية عام 2020. وفي عام 2023، بلغت المساحة التي استولت عليها 254 ألف دونم، أُضيفت إليها 116 ألف دونم أخرى في عام 2024. أما في عام 2025، فكان التوسع محدودًا بنحو 7 آلاف دونم، بسبب نقص الأراضي المفتوحة بين القرى والمدن الفلسطينية والمستوطنات الإسرائيلية.

عنف وتهجير قسري: استراتيجية جديدة للاحتلال

طور مستوطنو التلال والمزارع طريقة جديدة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، تتمثل في استخدام العنف وإقامة المزيد من البؤر الاستيطانية والمزارع الرعوية “الإرهابية” بجوار التجمعات الفلسطينية في المناطق المصنفة “ج”. ومع إقامة هذه البؤر، تبدأ معاناة الفلسطينيين بهجمات على السكان وسرقة مواشيهم والتضييق عليهم.

في غياب أي سلطة إنفاذ قانون من جانب الاحتلال، يُترك الفلسطينيون لمصيرهم، مهددين في حياتهم وممتلكاتهم، مما يدفعهم في النهاية إلى المغادرة. ووفقًا لمنظمة “كيرم نافوت” الإسرائيلية، تم طرد نحو 60 تجمعًا سكانيًا فلسطينيًا في المناطق “ج” منذ بدء الحرب الأخيرة.

تُعد قرية مغاير الدير قرب رام الله أحدث ضحايا هذه الاستراتيجية. فقد أُقيمت بؤرة استيطانية على بعد أقل من 100 متر من بيوت القرية، مما أدى إلى تصعيد انتهى بتهجير سكانها الذين عاشوا فيها لما يقارب 40 عامًا، وذلك تحت رعاية الدولة والجيش.

دعم حكومي وتمويل سخي للإرهاب الاستيطاني

لا يعمل “شبيبة التلال”، وهي جماعات استيطانية متطرفة، بمعزل عن دعم حكومة الاحتلال. فقد عيّن وزير جيش الاحتلال، يسرائيل كاتس، مؤخرًا العقيد أفيحاي تنعمي، منسقًا خاصًا للعلاقة مع هذا التنظيم، بعد أسابيع من قرار وقف استخدام أوامر الاعتقال الإداري ضد المستوطنين المعتدين. هذا القرار، الذي جاء بعد مشاورات مع مجلس الأمن القومي والشاباك والمستشارة القضائية للحكومة، يعكس توجهًا حكوميًا لتفكيك الأدوات القانونية التي كانت تُستخدم لكبح إرهاب المستوطنين. والمنسق الجديد نفسه هو مستوطن يميني معروف، ما أثار انتقادات واسعة.

وعلى صعيد آخر، تستمر المساعدات في التدفق إلى المستوطنات بطرق مختلفة عبر عدد كبير من الوزارات في حكومة الاحتلال. فوزارة التعليم الإسرائيلية قررت مؤخرًا سحب مئات الملايين من الشواقل من دعم المدارس الثانوية في الضواحي، وتوجيهها إلى مؤسسات في مستوطنات الضفة الغربية، بذريعة تصنيفها كمناطق “مهددة أمنيًا”. كما تمول حكومة الاحتلال شركات الأمن الخاصة لمستوطني القدس الشرقية بمئات الملايين من الشواقل، حيث أنفقت في عام 2024 ما يقارب 101 مليون شيقل على تشغيل هذه الشركات لحراسة حوالي 3000 مستوطن يعيشون في أحياء فلسطينية.

ناهيك عن ذلك، تُموّل وزارة شؤون الشتات دعاية المستوطنين بملايين الشواقل، في إطار ما يُسمى “مكافحة نزع الشرعية عن إسرائيل”، مع تخصيص هذه الأموال حصريًا لسلطات المستوطنات. وقد يصل هذا المبلغ نظريًا إلى 26 مليون شيقل.

نهب أموال الفلسطينيين لدعم الاستيطان

يترافق تخصيص هذه الميزانيات مع نهب ممنهج لأموال الفلسطينيين لصالح المستوطنين. فتبحث لجنة المالية في الكنيست حاليًا طلبًا للحصول على 35 مليون شيقل إضافي لتمويل بناء هوائيات خلوية في الضفة الغربية لتحسين تغطية الهاتف الخلوي للمستوطنين، على أن يأتي التمويل من “صندوق الإدارة المدنية للتنمية الإقليمية”، الذي يعتمد على الأموال التي تجمعها شرطة الاحتلال من الفلسطينيين عبر المصادرات والغرامات، ويهدف في الأصل إلى خدمة السكان الفلسطينيين. هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الحكومة أموالًا مخصصة للفلسطينيين لدعم مشاريع الاستيطان؛ ففي مارس الماضي، وافقت الحكومة على تخصيص 335 مليون شيقل من الصندوق لشق ما يسمى “طريق السيادة”، الذي سيمكن من إغلاق المناطق المركزية في الضفة الغربية أمام الفلسطينيين.

التطهير العرقي مستمر: هدم القرى وتضييق الخناق

في إطار سياسة التطهير العرقي، سلمت قوات الاحتلال في مايو الماضي إخطارات هدم جديدة تطال جميع منازل قرية النعمان شرق بيت لحم، وعددها 45 منزلاً، مهددة بذلك وجود أكثر من 150 شخصًا. ورغم أن هذه المنازل شُيدت منذ عشرات السنين، يمنع الاحتلال أي عمليات بناء أو ترميم أو توسع في القرية منذ أكثر من 25 عامًا، بهدف تهجير سكانها وضمها إلى حدود بلدية الاحتلال في القدس.

انتهاكات متصاعدة في القدس والخليل ورام الله ونابلس وسلفيت والأغوار

القدس: شهدت المدينة عمليات هدم غير مسبوقة لمنازل ومنشآت فلسطينية، حيث أُجبر سكان على هدم منازلهم ومنشآتهم بحجة عدم الترخيص. ووفقًا لمنظمة “عير عميم” الإسرائيلية، سجل شهر مايو 2025 أعلى عدد من عمليات الهدم في القدس الشرقية لهذا العام، بإجمالي 33 مبنى مهدومًا.

الخليل: هدمت قوات الاحتلال منازل وأسوارًا وآبار مياه في مسافر يطا، كما اقتلع مستوطنون عشرات أشتال الزيتون، وهاجموا مزارعين وسرقوا مواشيهم. وتم إخطار 30 محلاً ومنشأة تجارية بالهدم في بلدة الرماضين.

رام الله: نفذ مستوطنون اعتداءات على أراضي بلدة سنجل والمغير، شملت رعي المواشي في المحاصيل، وهدم منازل، وحرق مركبات، وكتابة شعارات عنصرية. كما تم المصادقة على إنشاء مقبرة في بؤرة استيطانية قرب المغير.

نابلس: أصيب مواطنان خلال هجوم للمستوطنين على قرية أوصرين، وتم نصب خيام استيطانية، وجرف شوارع وأراضي زراعية في بلدة دوما. كما اعتدى مستوطنون على مواطن وزوجته في خربة الطويل، وسرقوا رؤوس أغنام.

سلفيت: تواصلت أعمال التجريف لأراضي قرية سرطة لصالح التوسع الاستيطاني، وسرق مستوطنون جرارًا زراعيًا في قرية مردا، وتم تسليم 8 إخطارات بالهدم ووقف العمل والبناء لمنازل وبركسات في بلدة بروقين.

الأغوار: اقتحم مستوطنون تجمعات عرب المليحات، وقاموا بإحصاء أغنام المواطنين، وأقاموا بؤر استيطانية جديدة، وأطلقوا أبقارهم لتتلف المحاصيل الزراعية، وسرقوا معدات زراعية ومواشي.