أكثر من ضربة وأقل من صراع

أكثر من ضربة وأقل من صراع

أمد/ في مسعى الحلف الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد، وفق المصالح الحيوية المشتركة للبلدين، وبتنسيق مشترك ووفق خطة مركزية واحدة، بادرت إسرائيل الى شن هجوم بنحو 200 طائرة حربية في الثالثة فجر أمس الجمعة 13 حزيران / يونيو الحالي على العديد من المحافظات والمدن الإيرانية بدءا من العاصمة طهران وتبريز ونطنز حيث موقع أحد المفاعلات النووية وكرفنشاه التي تتركز فيها مصانع الصواريخ الباليستية وغيرها من المدن، نجم عن ذلك إصابات مباشرة لأكثر من 100 موقع، فضلا عن عمليات كوماندوس إسرائيلية في الداخل الإيراني أدى الى قتل رئيس اركان الجيش وقائد الحرس الثوري وعلماء ذرة أساسيين وغيرهم، حيث وصل عدد الذين اغتالتهم إسرائيل الى نحو 78 شخصية قيادية، وإصابة 329 من عسكريين ومدنيين. بخلاف الهجومين الإيرانيين السابقين على إسرائيل في 13 نيسان / ابريل ومطلع تشرين ثاني / أكتوبر 2024 حيث كان المبادر في الهجومين إيران.
وانتهجت القيادة العسكرية الإسرائيلية في عمليات الاغتيال للقيادات الإيرانية ذات الأسلوب الذي اتبعته في استهداف المستويات القيادية الثلاث الأولى في حزب الله في لبنان ما بين تموز / يوليو وتشرين ثاني / نوفمبر 2024، بهدف ارباك وإضعاف وتشتيت تركيز القيادة الإيرانية، ووجهت لها لكمات متتالية ومتعاقبة على مدار الساعات الماضية حتى الان غروب شمس الجمعة، لعدم تمكنها من التقاط انفساها، وشل قدرتها الدفاعية من خلال تكتيك يقوم على أولا إحداث فراغ قيادي؛ ثانيا تدمير اكبر قدر ممكن من القدرات الدفاعية من صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، التي وضعت لها كمائن متقدمة، تمكنت من الحؤول دون وصول أي منها حتى اللحظة من الوصول لإسرائيل.
ولم يكن الهجوم الإسرائيلي الأميركي مفاجئا لإيران، لأن هناك أكثر من إشارة ومؤشر أشار الى حدوث الهجوم الإسرائيلي الكبير المغطى بالضوء الأخضر الأميركي، وفتح مستودعات الأسلحة الأميركية امامها، وإرسال البوارج والغواصات وحاملات الطائرات الأميركية لمنطقة الصراع، من المؤشرات: اعلان الإدارة الأميركية حالة الاستنفار القصوى، وإعلان حالة الطوارئ بين قواتها، وسحب أعضاء السلك الديبلوماسي غير الأساسيين من سفارتها في العراق؛ التحريض الإسرائيلي المتواصل على ضرورة ضرب المفاعلات النووية الإيرانية؛ وعقد اجتماع وكالة الذرة الدولية قبل أول أمس الخميس نجم عنه التصويت بأن ايران لم تلتزم بقواعد الوكالة، في أعقاب وصول المحادثات الأميركية الإيرانية الى طريق مسدود، وتهديد الرئيس دونالد ترمب الجمهورية الإيرانية بعظائم الأمور، إن لم تذعن لإدارته، وتتخلى عن تخصيب اليورانيم، والذي ترافق مع تصريح لبنيامين نتنياهو بان ايران تمكنت من تخصيب اليورانيم بما يسمح لها بصناعة 9 قنابل نووية.
ومع ذلك، تعاملت القيادة الإيرانية مع مجمل المؤشرات باستخفاف، واعتبرت ذلك بمثابة تهويش وترهيب لها، معتقد ان تحديد موعد للقاء القيادة الأميركية يوم غدا الاحد في مسقط العاصمة العمانية يؤجل أي هجوم، الامر الذي جعل القيادات العسكرية والعلمية الإيرانية تتعامل بخفة ودون أخذ الاحتياطات الأمنية الضرورية، مما أوقعها في شر تقديراتها، مع ان عدد من الدول أبلغت طهران بأن الهجوم الإسرائيلي وشيك، ويمكن حدوثه في كل لحظة. وفي أحسن الأحوال، افترضت القيادات الإيرانية السياسية والعسكرية والأمنية في أسوأ السيناريوهات، ان الهجوم الإسرائيلي لا يتجاوز حدود الضربات الإسرائيلية السابقة، التي لم تطال أي موقع نووي إيراني، واقتصرت على قصف الدفاعات العسكرية للجيش الإيراني بما فيها قواعد بعض الصواريخ الباليستية، وهو ما يكشف عن ضعف وبؤس القراءة التقديرية غير الواقعية الإيرانية لطبيعة الهجوم، وتجاهلت تلك القيادة الإستماتة الإسرائيلية على تحقيق هدفها الاستراتيجي بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، إسوة بما فعلت مع المفاعلين النوويين العراقي 1980 والسوري 2007، والهدف الأكثر استراتيجية إعادة هيكلة الشرق الأوسط.  
من خلال الاستشراف لمجرى الصراع الدائر الان، ما هي الافاق التي يتجه نحوها الاشتباك؟ هل تذهب القوى المتصارعة الأميركية الإسرائيلية من جهة وإيران من جهة أخرى الى حرب واسعة، أم حرب محدودة لأسبوع او أسبوعين وتنتهي العملية؟ وهل تقبل واشنطن وتل ابيب بوقف الصراع دون التزام إيران بوقف التخصيب وتفكيك مفاعلاتها النووية، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت، أم ستواصل القتال الى ان ترفع إيران الراية؟ وهل تقبل جمهورية الملالي الاستسلام والإذعان امامهما؟ وما هو شكل الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي؟ وهل ستنخرط الولايات المتحدة بكل ثقلها العسكري لفرض الاستسلام على إيران؟ وهل ستذهب الحرب لسيناريوهات أوسع، بحيث تنخرط فيها قوى دولية أخرى، وتدفع الأمور نحو حرب عالمية ثالثة رسميا وكلاسيكيا؟
على المراقب السياسي والعسكري والإعلامي فتح القوس امام السيناريوهات كافة، ولا يجوز القطع مع أي سيناريو. ولكن حسبما اعتقد من قراءتي المتواضعة، ان الجولة الحالية (إن لم أكن مخطئا) قد لا ترقى الى حرب واسعة، ويمكن في حال تدخل واشنطن بكل ثقلها ان تتنازل الجمهورية الإسلامية عن تخصيب اليورانيم تكتيكيا بهدف وقف الحرب، وإعادة بناء قدراتها لاحقا. لا سيما وان الرئيس بزشكيان أعلن أول أمس، حتى لو دمرت المفاعلات النووية كلها، سنعيد بناءها ونخصب اليورانيم، وبالتالي فرضية تقديم تنازلات إيرانية، فرضية واقعية، الا إذا نجم عن الصراع الدائر تداعيات خطيرة فإن طريق الحرب الواسعة ستصبح مفتوحة على خطين، وقادم الأيام كفيل بإعطاء الجواب.