اقتصاد في خطر: من يستغل غزة وسط الحرب؟

أمد/ في خضمّ المجازر اليومية التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية بحقّ المدنيين في قطاع غزة، تتكشّف فصول أخرى من المأساة، لا تقلّ فتكًا عن القصف والدمار. فإلى جانب الدماء التي تسيل، هناك من يستنزف جيوب المواطنين ويساهم في خنقهم اقتصاديًا، في ظلّ أزمة سيولة نقدية خانقة لم يسبق لها مثيل منذ بدء العدوان.
💸 عمولات مجنونة… وسوق بلا رقيب
مع إغلاق البنوك منذ اليوم الأول للحرب، ومنع الاحتلال إدخال الأموال، دخلت غزة في دوامة نقدية خطيرة، سرعان ما استغلها تجّار وأطراف نافذة لتحقيق أرباح طائلة على حساب الناس المنكوبين. وفي ظلّ غياب أي آلية لتوزيع النقد بشكل عادل أو مراقب، ارتفعت عمولات سحب الأموال عبر التطبيقات البنكية إلى مستويات جنونية، وصلت مؤخرًا إلى 45% من أصل المبلغ المسحوب، وسط تقديرات أنها قد تتجاوز 50–60% قريبًا.
هذا الواقع خلق حالة من النهب الممنهج لأموال المواطنين، حيث يُجبر السكان على دفع ما يقارب نصف دخلهم للحصول على السيولة النقدية، في وقت لا يجد فيه كثيرون قوت يومهم.
🏪 التنسيقات الخاصة: بوابة لتجفيف السوق
مصادر اقتصادية تؤكد أن السبب الرئيسي وراء هذا الارتفاع الصاروخي في العمولات هو قيام تجار نافذين بشراء بضائع من الاحتلال عبر تنسيقات خاصة تُدفع نقدًا. تشمل هذه البضائع سلعًا كالسجائر، والهواتف المحمولة، والقهوة، وتصل قيمة هذه “الصفقات” إلى ملايين الشواكل في كل مرة.
هذه الأموال تُسحب مباشرة من السوق المحلية، ما يؤدي إلى نضوب السيولة في أيدي المواطنين، ويخلق سوقًا سوداء يتحكم بها أصحاب النفوذ، على حساب الأغلبية الفقيرة والمُحاصَرة.
🤐 حماس.. غائبة أم متورطة؟
في ظلّ هذا النزيف الاقتصادي، يطرح الغزيون تساؤلات حادة: أين حركة حماس من كل ما يجري؟
بدلًا من التدخل لوقف استغلال الناس أو محاسبة التجار، تكتفي الحركة بفرض عمولة رسمية بنسبة 5%، بينما تشير المعطيات إلى أنها تبيع السيولة لتجار بسعر مرتفع يصل إلى 30%، مما يسمح لهم برفع العمولة إلى 40–45%، وتحقيق أرباح على حساب جوع الناس.
وما يثير الريبة أكثر، هو غياب أي جهد من قبل سلطة الأمر الواقع في غزة لمحاربة هذا النهب المنظّم، الأمر الذي يدفع بعض المراقبين إلى اتهام الحركة بـ”المتاجرة بأرواح المواطنين” تحت ذريعة الحاجة لتأمين رواتب عناصرها بعد توقف مصادر الدعم الخارجي وغياب الإيرادات الضريبية.
🏦 سلطة النقد.. صمت غير مبرر
من جانب آخر، تلتزم سلطة النقد الفلسطينية صمتًا مطبقًا إزاء هذه الكارثة، دون اتخاذ خطوات فعلية بالتعاون مع البنوك لضخّ السيولة أو ضبط السوق، وكأن معاناة مليوني إنسان لا تعنيها.
🧨 قطاع غزة يُنهك من الداخل
ما يجري في غزة ليس مجرد انعكاس لحرب عسكرية، بل حرب اقتصادية داخلية تُدار بأيدٍ فلسطينية، تساهم في سحق الفقراء وتجفيف ما تبقى من كرامة العيش. في الوقت الذي يبحث فيه المواطنون عن رغيف خبز، هناك من يتربح من الحصار، ويحوّل المأساة إلى فرصة للثراء.
وفي هذا المشهد المأساوي، لا يمكن الفصل بين العدوان الخارجي والتواطؤ الداخلي، فكلاهما يسرق من الفلسطينيين حياتهم، ولكن بوسائل مختلفة.