18 عامًا من التغيير السياسي

أمد/ لا يجوز القفز عن ذكرى يوم أسود في تاريخ الشعب والقضية والمشروع الوطني الفلسطيني، أي كانت التطورات العاصفة في الإقليم وتداعياتها الخطيرة على مستقبل إقليم الشرق الأوسط الكبير، حيث يعتبر انقلاب حركة حماس الأسود على الشرعية الوطنية في 14 حزيران / يونيو 2007 نكبة جديدة في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني، كونه ترك بصمات وندوب وتشوهات خطيرة في مسيرة النضال الوطني التحرري، وألقى بظلال سوداء كثيفة على مستقبل النظام السياسي ووحدة النسيج الوطني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي للشعب.
ولا تنفصل محطة 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 عن تبعات وتداعيات الانقلاب، بل انها لصيقة الصلة بما بدأه فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين في ذلك التاريخ المشؤوم والكارثي، والذي ولد كماً من الكوارث الفظيعة والخطيرة على الشعب كل الشعب في محافظات الوطن والشتات والمغتربات، حيث تبادلت إسرائيل اللقيطة والنازية مع حركة حماس ومن تساوق معها الأدوار في إدماء الشعب، وكان من نتائج ذلك، حتى اعداد هذا المقال سقوط ما يقارب ربع مليون فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود ومعتقل جلهم من الأطفال والنساء، فضلا عن التدمير الكارثي والمهول لنحو 90% من الوحدات السكنية والبني التحتية وتدمير العشرات من المستشفيات والمراكز الصحية ومئات المدارس والمعاهد والجامعات وأماكن العبادة الإسلامية والمسيحية، وخلق بيئة عبثية انتجت حروب التجويع والامراض والاوبئة التي فاقت الوصف والتشخيص
ورغم مرور ما يزيد عن 615 يوما من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الاميركية على الشعب الفلسطيني في عموم الوطن وخاصة في قطاع غزة، والدروس التي افرزتها تجربة الإبادة المريرة والبشعة، وأبرزها ضرورة مراجعة حركة حماس لخيارها الانقلابي الأسود بالعودة الى جادة الوحدة الوطنية، إن كانت تعتبر نفسها جزءً من الاطار الوطني، وحريصة على أهداف ومصالح الشعب الوطنية العليا، الا انها حتى اللحظة الراهنة مازالت تناور وتتلكأ في تهرب واضح وجلي من استحقاقات الوحدة والانضواء تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها السياسي، وتسليم راية المفاوضات مع العدو الإسرائيلي لها، وتسليم سلاحها المتبقي والمحدود لجهاز الامن الوطني، وتسليم إدارة القطاع لمنظمة التحرير والدولة الفلسطينية، وتبادل الرهائن مع أسرى الحرية الفلسطينيين، والتحول الى حزب سياسي، باعتبارها خطوات ضرورية لقطع الطريق على الإبادة الجماعية الصهيو أميركية.
لكن حركة حماس حتى اللحظة الراهنة تسعى بكل قوة للبقاء في دوامة الانقلاب الأسود، وترفض الاستجابة لخيار الوحدة الوطنية، وتعمل على تكريس نفسها كقطب فلسطيني مناوئ للشرعية ومصالح الشعب العليا، لإبقاء الانفصال قائما بين جناحي الوطن، وإبقاء الشعب رهينة بيدها، على اعتبار ان الضحايا بمئات الالاف لا يساووا شيئا مقابل “عنترياتهم” ومجنوهم الفئوي والانقلابي، ولإبقاء ذرائع إسرائيل الكاذبة والملفقة سلاحا لمواصلة الإبادة الجماعية والتهجير القسري مفروضا على رأس الشعب الفلسطيني الذي يموت كل يوم ألف مرة ليس بقنابل وصواريخ واسلحة الموت الأميركية فقط، وانما أيضا من خلال حلابات الذبح في المسالخ ومصائد الإبادة المسماة “مراكز توزيع المساعدات الإنسانية” التي لا علاقة لها بأي بعد انساني، انما هي مراكز موت وقتل للأطفال والنساء والشباب.
ولا اعتقد ان حركة حماس تجهل أن دورها الوظيفي الذي فرضه العدو الإسرائيلي الأميركي من خلال الدعم المالي المتواصل لإنقلابها من خلال حمل الأموال الشهرية القطرية في سيارات أجهزة الامن الإسرائيلية “الموساد” و”الشباك” وبقرار من حكومات نتنياهو المتعاقبة، التي عمرها يتوافق مع عمر وزمن الانقلاب الأسود الحمساوي، انتهى، ولم يعد مرغوبا به، لأن وظيفته حققت الأهداف المرجوة لدولة الإبادة الإسرائيلية ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية والقوى الإقليمية التي ارتبطت بها، وشكلت حاضنة عفنة وتخريبية لها، التي هدفت ومازالت تهدف الى تصفية القضية والمشروع الوطني، وتبديد النظام السياسي الفلسطيني، عبر عملية تطهير عرقي واسعة وعميقة تجاوزت في خطورتها نكبة عام 1948.
مع ذلك، مازالت هناك وقت قصير أمام حركة حماس لمراجعة الذات، والعودة لحضن الشعب والمنظمة، إن كانت معنية بالأهداف الوطنية وحماية الكيانية الفلسطينية، إذا ما استجابت لمصالح الشعب، والتزمت بالاستحقاقات الوطنية والإقليمية المطلوبة، فهل تفعل وتتخلى عن ذرائعها وتعود لرشدها وتتوطن في المشروع الوطني؟ رغم قناعتي وقناعة الكثيرين بانها ليست في وارد المراجعة، الا ان الرغبة والطموح ان تفكر قياداتها للحظة بمستقبل الشعب والقضية والمشروع الوطني لحماية الكيانية الفلسطينية، وتوحيد الجهود الوطنية لمواجهة التحديات الإسرائيلية الأميركية الخطيرة.