الخطاب السياسي لحركة حماس وفقدان العقلانية!

الخطاب السياسي لحركة حماس وفقدان العقلانية!

أمد/ من يتابع الخطاب السّيِاسي والإعلامي لقيادات حركة حماس في الخارج، وخاصة فيما يتعلق بإصرار هذه القيادات على تصغير حجم التضحيات التي يقدمها شعبنا في هذه الحرب، عبر القول إنها “خسائر تكتيكية” تارة، أو “قرابين” تارة أخرى، يتوصل إلى حقيقة مفادها أن هذا الخطاب ليس فقط منفصل عن الواقع؛ بل مازال يعمل على بكل جهد على التنصل من المسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذه التضحيات والخسائر، عبر تصغيرها والتقليل منها، وتصويرها أنها لا تساوي شئيا في مقابل تحقيق أهداف الحركة في البقاء في مشهد الحكم!
منذ بداية الحرب لم تقدم الحركة خطابًا سياسيًا يتسم بالمسؤولية السياسية والتاريخية والأخلاقية عن الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه الحركة عن عمّد بالقيام بالسّابع مع أكتوبر، بل مازالت تحاول تصوير الأمر تارة على أنه جزء من معركة التحرير الكبرى، أو باعتباره جاء ردًا عن اعتداءات الاحتلال بحق مدينة القدس والمقدسات، لكنه حديثًا بدأ في استخدام لغة قديمة تتعلق بربط العملية بالحصار وتحديات الوضع الإنساني في غزة.
كما تستخدم الحركة الخطاب الشعبوي في تصوير كل الدمار الهائل الذي حل بقطاع غزة على انه انتصار سياسي وعسكري، مع التقليل من حجم الخسائر والتضحيات البشرية والمادية، لاعتبارات تتعلق بفكرة النقاء السياسي، أي عدم توجيه لوم أو اتهام للحركة الآن ومستقبلا في تعريض الشعب الفلسطيني لمثل هذه المذبحة السياسية، لذلك ترفض حتى فكرة تحمل المسؤولية عن هذا الأمر، وتتعامل مع الوضع باعتباره جزء من كلفة مواجهة الاحتلال، فكل الشعوب تقدم تضحيات في سبيل الحصول على الحرية والاستقلال، وما قامت به الحركة ليس جديدًا بل مجرد عمل عسكري لا تتحمل أي تبعات سياسية أو تاريخية حوله!
هذا الخطاب الشعبوي ليس فقط يقود الحركة لإنكار الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني؛ بل يقودها أيضًا للاستمرار في الحرب بهدف إعادة انتاج المقاربة السابقة التي حكمت بها قطاع غزة على مدار 17 عام، وهي أعوام الانقسام، حيث حكمت الحركة القطاع بموافقة ومباركة إسرائيلية للهروب من استحقاقات التسوية وقيام دولة فلسطينية، كما صرح بذلك نتنياهو نفسه، عندما قال “منحنا الفلسطينيون دولة في غزة لكنها انقلبت علينا:”
من يتابع تصريحات ومواقف الحركة حول موضوع الهدنة وشروط وقف إطلاق النار، يجدها تتخلص في انهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وبدء عملية إعادة الإعمار، وهي أهداف ليس لها علاقة بتحرير كامل فلسطين، أو منع الاعتداءات على المقدسات كما أعلنت الحركة في بداية المعركة، بل تجدها تتعلق فقط بإعادة انتاج المقاربة السابقة، التي تريد الحركة من خلالها البقاء في مشهد الحكم، وهي مقاربة باتت مستحيلة لاعتبارات كثيرها أهمها، القرار الإسرائيلي بإعادة هندسة الأوضاع الأمنية والديمغرافية والسياسية في قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر، والتغيرات الكبيرة التي حدثت في الإقليم خلال الفترة الأخيرة، وانتهاء دور المليشيات التي حكمت دول ومناطق كثيرة في المنطقة خلال العقدين الماضيين، ناهيك عن الموقف الدولي والعربي والإقليمي الرافض لاستمرار بقاء سيطرة الحركة على قطاع غزة، ويعمل على توحيد الأراضي الفلسطينية استعدادًا لإطلاق عملية سياسية ترتكز على أساس مبدأ حل الدولتين.
حتى الآن مازالت حركة حماس في تصريحات قياداتها في لخارج لم تقدم رؤية واقعية للخروج من المأزق الحالي، فكل شروط ومطالب الحركة لا تساهم في حل الأزمة وانتهاء الحرب بقدر ما تساهم في تعقيد المشهد أكثر، رغم أن المطلوب منها في ظل انتشار المجاعة والفوضى العامة في قطاع غزة التحلي بروح المسؤولية وتقديم المصالح العليا للشعب الفلسطيني، والتوقف عن إعطاء الاحتلال مزيد من الذرائع لاستمرار حرب الإبادة الجماعية، وصولًا إلى التهجير لكل سكان القطاع.
في ظل عديد التطورات السياسية والميدانية، خاصة عقب قيام إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية، وفتح مواجهة عسكرية شاملة بين البلدين، من الحكمة بمكان أن تتحلى حركة حماس بنوع من العقلانية، من خلال التخلي عن الخطاب العاطفي والأيديولوجي الذي يبرر للحركة الاستمرار في حرب الإبادة وإعطاء الاحتلال المزيد من الوقت للتدمير ما تبقى من غزة، وقتل وتهجير سكانها، فعلى الحركة أن تكون أكثر عقلانية وواقعية في التعاطي مع الأمور بعد السابع من أكتوبر، فنهاك أحداث وتطورات لا يمكن إغفال تداعياتها وانعكاساتها، فالإقرار بالوقع والتعاطي معه بحكمة وعقلانية أفضل ألف مرة من العيش في عالم الأوهام!