إيران واليد الضعيفة

إيران واليد الضعيفة

أمد/ ما يلفت في الحرب الإسرائيلية الجارية ضد إيران (“الأسد الصاعد”) هو الغياب الكامل لحزب الله عن المشهد.
 لم يُطلق من لبنان أي صاروخ باليستي أو مسيّرة حربية تضامناً مع طهران، رغم خطورة الضربات الإسرائيلية المباشرة على الأراضي الإيرانية. هذا الصمت يطرح تساؤلاتٍ جوهرية : هل هو نتيجة حكمة ذاتية من الحزب لتحييد لبنان؟ أم ضغط إيراني لاحتواء أزمته الداخلية (في اقتصادٍ لبناني يعاني تضخماً تجاوز 280% وفق صندوق النقد الدولي)؟ أم هو تداعيات حرب الإسناد التي جرت خلال سنتي (2023-2024) والتي دمّرت 85 % من صواريخ حزب الله الدقيقة (معهد جينز للدفاع) و120 موقعاً عسكرياً تابعا له؟  

مهما تكن الأسباب، فالنتيجة واحدة: سقوط مشروع “سلاح المقاومة” بكل وظائفه.  
وهو سقوط ثلاثي الأبعاد :  
أولاً، انهيار الوظيفة الإقليمية :
 فقد فشلت مقولة “وحدة الساحات” التي ضحّى نصرالله بحياته لأجلها وانهار نظام الاسد وحل نظام آخر بقيادة احمد الشرع بديلا له، وفي اليمن تحوّلت الحرب إلى كارثة إنسانية حصدت 377 ألف قتيل، (مجموعة الأزمات الدولية). اما في فلسطين وغزة فقد استمرت دون توقف اعمال الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني.  

ثانياً، سقوط مهمة الردع : 
فقد فشل سلاح الحزب في ردع إسرائيل عن مهاجمة لبنان خلال حرب الإسناد، التي شهدت 1,450 غارة (الجيش الإسرائيلي) وتهديم 40 نفقاً هجومياً، وتستمر اسرائيل بعمليات مسيراتها مستهدفة اغتيال كوادر حزب الله ومخازن اسلحته ومقرات قياداته.  

ثالثاً، غياب الدفاع عن القلعة: 
المفارقة أن “حائط الصد” الذي مثله حزب الله وبقية الاذرع الشيعية في العراق ولبنان، تخلى عن دوره لحظة تعرّض “الولي الفقيه” لضربةٍ تاريخية ومهانة مذلة.  

 استهداف اليونيفيل: عبثٌ بلا معنى  
في هذا السياق، تبدو الاعتداءات على قوات اليونيفيل (43 حادثة منذ يناير 2025) عملاً انتحارياً؛ فهذه القوات قدمت 45 مليون دولار مساعداتٍ للجنوب (2024)، وهي الشاهد الوحيد على 320 انتهاكاً إسرائيلياً للقرار 1701.  ويشكل إضعافها خدمة لاسرائيل ويمنحها غطاءً لاستمرار احتلال النقاط الخمس في الجنوب  ولتصعيد الاغتيالات (كما في عملية صور ضد محمد زيدان، 6 يونيو). وقد كشف  البيان الأخير لليونيفيل زيف تسمية المهاجمين بـ”الأهالي”، فهم عناصر حزب الله بأزياء مدنية.  

نهاية حروب الواسطة :  
الضربة الإسرائيلية كشفت زيف “العظمة الإيرانية” وقد ادت الى:  
1.اغتيال العقل العسكري والعلمي الايراني عبر تصفية 21 قائداً (بمن فيهم قاآني وباقري) و6 علماء نوويين (أبرزهم رضا قندي).  
2. الاختراق المدوي: مصنع مسيّرات إسرائيلي داخل إيران وفي (إصفهان) تحديدا حيث أطلق 200 طائرة ضد أهداف إيرانية! .
 
3. الهشاشة التقنية: هجوم سيبراني (“فيروس سيدرا”) شلّ 70% من دفاعات طهران الجوية (كاسبرسكي).  

 الخيارات الايرانية المُرّة:
 أرقام على طاولة المقتلة:  رغم الضربات الاسرائيلية المؤلمة، لم تُدَمَّر المنشآت النووية بشكل حاسم ( المرجح انه فقط تم تأخير إنتاج القنبلة سنتين). هنا تبرز المعضلة امام القيادة الايرانية، في تامين قدرات هجومية عبر صواريخها الباليستية، لتجعل كلفة الهجوم الاسرائيلي عالية الثمن، وو الذهاب الى خيار المواجهة وهي مواجهة يمكن ان تؤدي الى تعريض البنية النفطية الى دمار كبير. (80% من إيرادات إيران من 3.2 مليون برميل يومياً). 
 وبين قبول خيار التفاوض مع شروط ترامب المهينة (تجميد نووي وسحب الميليشيات)، ويبقى الخيار الثالث وهو خيار التسلح النووي؟، وهذا يعني خروج ايران من معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، والذهاب لصنع 8 قنابل نووية، حيث تمتلك ايران 492 كلغ من  اليورانيوم المخصب بنسبة 60% – (الوكالة الذرية مايو 2025).  

ويتبدى المأزق الإستراتيجي الايراني من مفارقة أن ترامب (في خطاب 5 يونيو) وخامنئي (10 يونيو) يتحدثان عن تفاوض ما! الأول يريد “إيران مُدجَّنة”، والثاني يحاول إنقاذ هيبةٍ تحطّمت. لكن السؤال الأعمق: هل يمكن لإيران تعويض سقوط “أذرعتها” في الوقت الذي يُغري فيه ضعفُها إسرائيلَ بضرباتٍ أقسى؟  والخلاصة المؤلمة أن سلاح حزب الله في لبنان قد تحوّل من أداة ردعٍ إلى عبءٍ تاريخي، فيما تواجه طهران خياراتٍ كلها مرّ… والأمرُّ أنها قد تُضطر لاختيار أحدها بيدٍ مهزوزة.