احذروا هذا المدمر للعلاقات

أمد/ يجذبني أولئك الذين يزِنون كلماتهم قبل نطقها، وبلا أدنى تكلّف، مهما غضبوا أو انفعلوا لا ينطق لسانهم إلا بالخير، لا يبرّرون بذاءة اللّسان بالغضب، ولا يفقدونك ارتياحك بالتّعامل، ولا يتركون أعصابك دائمًا في حالة شدّ خوفًا من انفجارهم في وجهك بلحظة.
فوصيّة رسول الله عليه الصّلاة والسّلام لرجل جاءه، وقال له أوصني: لا تغضب، وترديده مرارًا : لا تغضب ما هي إلّا تشديد على كراهية الغضب، فهو من تسلّط الشّيطان على صاحبه، ودلالة على ضعف قدرته على ضبط نفسه، وإدارة أزماتها.
وكما قال عليه الصّلاة والسّلام: “ليس الشّديد بالصُّرَعة، إنّما الشّديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.
فشديد الغضب والعصبيّة في كثير من الأحيان شخص متوتّر ضعيف الثّقة بنفسه لا يعرف كيف يواجه مشاكله فيلجأ لرفع الصّوت أو الشّتائم ليُسكت من أمامه لأنّه لا يملك حجّة قويّة، ولا يعرف كيف يناقش ولم يتعوّد على ذلك.
وإمّا أن يكون كتومًا لا يعبّر عمّا يضايقه، ويراكم مشاعر الاستياء في داخله حتّى ينفجر كقنبلة موقوتة على أتفه الأشياء.
من يترك نفسه للغضب، فيخرجه عن إطار عقله سيخسر من حوله، ولن يدوم له صديق ولا حبيب، فحتّى الحليم الصّبور يصل لمرحلة لا يقدر بها على التّعايش مع مثل هذه الشّخصيّة حين ينتهك صاحبها حرمة الاحترام مرّات ومرّات، ممّا ينقص من رصيد التّغاضي عنه إلى الحدّ الذي يملأ القلب تجاهه بنقاط سواد قاتمة لا تمحوها الكلمات، وماذا يجدي الاعتذار بعد اختراق رصاصة قلّة الاحترام أعماق الرّوح!
فماذا يفعل من يعاني من هذا الدّاء؟ أيسلّم أمره للعجز والشّيطان حين يهمس له: “كلّ إنسان له عيوبه” فيبرّر شتائمه وبذاءة لسانه التي قد تصل للتّجرّؤ على الله ودينه أم يدرك أنّ لسانه حصانه إن صانه صانه ويعترف أنّ هذه التّصرّفات رجس من عمل الشّيطان، ويقاوم من أجل علاجها؟
بالطّبع إنّ علاج أيّ مرض يبدأ بالاعتراف بوجوده، والرّغبة الخالصة بالخلاص منه، وعدم تبرير شدّة الانفعال التي تودي بصاحبها لفقدان سيطرته على ألفاظه وأفعاله.
كلّ ما عليه حين ينفعل أن يبتعد قليلًا ويلوذ بالصّمت، ويتجنّب أيّ ردّ فعل سريع، ويفكّر للحظات: هل هذا الأمر يستحقّ العصبيّة لهذه الدّرجة؟ هل الغضب هو الوسيلة الوحيدة للتّعبير عن رفض هذا الشّيء؟ هل الإساءة للطّرف المقابل لفظًا أو فعلًا ستريحه أم أنّ عواقبها ستكون أشدّ وطأة من ضبطه لأعصابه؟
عليه أيضًا أن يفترض حسن الظّنّ، ويأخذ الأمور بروح رياضيّة، ويعبّر عمّا لديه باحترام وذوق يرفعه في عينه وأعين النّاس.
وليتذكّر حديث رسول الله عليه الصّلاة والسّلام لمعاذ بن جبل:
حين قال يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدْنِي مِنْ النَّارِ، قَالَ: “لَقَدْ سَأَلْت عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضانَ، وَتَحجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَبْوابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ الله وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!”.
فلا تستهينوا باللّسان فهو مغناطيس السّيّئات إذا ما أسيء استخدامه، وأسهل باب لاستحواذ الشّيطان وأعوانه.