مثل يوم الحج… يجب أن تكون حالة الأمة الإسلامية هكذا

مثل يوم الحج… يجب أن تكون حالة الأمة الإسلامية هكذا

أمد/ في كل عام، تقف ملايين القلوب قبل الأجساد على صعيد عرفات، متجردين من مظاهر الدنيا، متساوين في الهيئة واللباس، مختلفين في الأعراق واللغات، لكنهم موحدون في الهدف والوجهة والدعاء. يوم الحج هو نموذج مصغر، وإن كان لحظيًا، لما ينبغي أن تكون عليه الأمة الإسلامية بكل مكوناتها: وحدة مقصد، صفاء نية، تجرد من الأنانية، وتكاتف شعبي ورسمي نحو مصلحة الأمة الجامعة.
فكما يقف الغني بجانب الفقير، والأمير بجانب العامل، وكلهم في خشوع واحد لله، هكذا ينبغي أن تكون الأمة: بلا عنصرية، ولا طائفية، ولا قومية مفرقة. يوم الحج يعلّمنا أن الاختلاف لا يعني الخلاف، وأن التعدد لا يبرر التناحر، بل إن في التنوع رحمة حين يتوحد الهدف ويعلو صوت الإيمان على صراخ السياسة.
فأين نحن من هذا المشهد؟
بينما تقف أمتنا اليوم ممزقة الأوصال، تحكمها مصالح ضيقة، ويعلو فيها صوت الانقسام على وحدة الكلمة، ويُستبدل فقه الرحمة بفقه الإقصاء، وحرمة الدم ببرود المواقف… يغدو الحج درسًا متجددًا نغفل عنه في حياتنا العامة والخاصة.
الشعوب مطالبة بأن ترتقي بوعيها، لا تنجر خلف الحملات الدعائية والانقسامات المصطنعة، بل أن تعي أن مصير الأمة متشابك، وأن أمن القدس من أمن مكة، وحرية صنعاء لا تنفصل عن سيادة طرابلس أو استقرار الخرطوم.
أما الحكومات والقادة، فمسؤوليتهم أعظم، لأن الله حمّلهم أمانة الرعية. عليهم أن يكونوا كما أمرهم الله: “أشداء على الكفار رحماء بينهم”، لا أن يتحولوا إلى أدوات للفرقة، أو أذرع لمشاريع غير الأمة. التعاون بين الدول الإسلامية ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية، ولا بد أن يتجاوز العبارات الإنشائية إلى سياسات واضحة، ومشاريع مشتركة، ومواقف موحدة أمام قضايا الأمة الكبرى.
الحج مدرسة سنوية، لكن دروسها تتجاوز أيامه. فهو يعلمنا أن التواضع قوة، وأن الاجتماع رحمة، وأن الطواف حول مركز واحد هو السبيل لتحقيق التوازن في عالم مضطرب. وكما أن الحجيج يختمون وقوفهم بعرفات بالدعاء والتوبة، فلتختم الأمة تفرقها بالعودة إلى ربها، والتصالح مع ذاتها، والالتفات إلى القضايا التي تئن تحت رماد الإهمال والنسيان.
فلنصغِ لنداء الحج، لا كطقس عابر، بل كرسالة مستمرة تقول لنا:
“كونوا كما أنتم في هذا اليوم، أمة واحدة، قلبها واحد، ووجهتها الله.”
عيدكم مبارك .. وكل عام وامتنا أمة واحدة