تداخل القضايا: عزل الاحتلال تحت إدارة دونالد ترامب 2025

تداخل القضايا: عزل الاحتلال تحت إدارة دونالد ترامب 2025

أمد/ يعتمد رئيس الاحتلال الإسرائيلي على قاعدة تشابك الملفات وتعقدها من أجل الوصول إلى غاياته وأهدافه، ولطالما ربط الملفات الإقليمية ببعضها ونجح في الوصول إلى مبتغاه خصوصاً في علاقته مع واشنطن، وقد استطاع نسج خيوطه فتداخلت الملفات الإقليمية في ظل العدوان البربري على قطاع غزة، مستغلاً العام الأخير لإدارة الرئيس السابق جو بايدن وحجم الدور الذي يلعبه اللوبي الصهيوني في نتائج الانتخابات الأمريكية، ومن خلال ذلك الاستغلال استطاع أن يوظف واشنطن لغاياته خلال عام 2024م وذلك على النحو التالي:
1. ضرب إيران أكثر من مرة إلى جانب وجود اتهامات بدور للاحتلال الإسرائيلي في سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيس التي أدت إلى وفاته، وما يدعم هذا الاحتمال وقوع عمليات اغتيال عديدة داخل إيران، طالت خبراء نوويين إيرانيين أهمها، اغتيال العالم المُلقب بأبي البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زاده (2020)، وآخرى، ومما يرجح هذا الخيار، فالمُفترض خضوع الطائرة الرئاسية لعمليات صيانة دقيقة، وشاملة وإجراءات تأمين صارمة، تسبق إقلاعها حاملة الرئيس ومرافقيه، إلى جانب مراجعة حالات الطقس وتغيراته طوال طريق الرحلة، وقد كان الرئيس إبراهيم من أشد الداعمين للمقاومة ضد إسرائيل على مستوى الإقليم وله مواقف متشددة اتجاهها، ومما يؤكد على هذه الفرضية أو هذا الاحتمال الحوادث التي وقعت بعده.
2. اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في المربع الأمني للحرس الثوري الإيراني في 31 يوليو 2024م، وخلال حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وقد اعترفت إسرائيل بتنفيذ عملية الاغتيال بعد أشهر من العملية.
3. سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في مؤامرة واضحة والتي بينها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديثه عن حلب 30 نوفمبر 2024م وهي أول مدينة رئيسة استولى عليها المتمردون، فصرح “إن 30 ألف جندي حكومي ووحدات مدعومة من إيران “انسحبوا من دون قتال”، أما التواجد الروسي فالكثير يشيرون إلى مقايضة الملف الروسي الأوكراني بالملف السوري وهو ما كان واضحا من أسلوب تعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس الأوكراني في أول زيارة رسمية بعد توليه الحكم، وبسقوط نظام بشار قام نتنياهو باجتياح بري للمنطقة العازلة داخل الأراضي السورية ليحتل مناطق من ريف القنيطرة وجبل الشيخ وعِدَّة مناطق أخرى.
4. استهداف القوات الأمريكية للحوثيين في اليمن واستهدافهم من قبل الطائرات الإسرائيلية.
5. حادث الاختراق لأجهزة اللاسلكي لحزب الله اللبناني في سبتمبر 2024م.
6. عملية اغتيال حسن نصر الله في 27 سبتمبر 2024م، خلال اجتماع ضم عدد كبير من قادة الحزب المتقدمين السياسيين والعسكريين ونواب نصرالله، فاستطاع ضرب حزب الله في لبنان واسقاط قيادة الحزب وتوقيع اتفاق أتاح له ضرب لبنان في أي وقت وكف يد حزب الله عن ضرب الاحتلال.
هذه الأحداث والعمليات أشار إليها نتنياهو عندما تحدث عن الدور الذي تلعبه إسرائيل في إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط، وإعادة تعريف القوى الفاعلة في دول الطوق.
ما كان للاحتلال الإسرائيلي أن ينجح في هذه العمليات لولا وجود تنسيق ودعم من واشنطن بشكل كامل، والتي تشير إلى ارتباط بعضها ببعض لتتابع التواريخ، وقد استطاع نتنياهو أن يديرها بما يخدم مصالحه الداخلية والخارجية، مستغلاً الانتخابات الأمريكية للحصول على الدعم الكامل.
لكن بدأت الأمور تختلف بعد تولي ترامب رئاسة البيت الأبيض، فعقيدة ترامب بدأت ملامحها عندما استخدم عبارة “أميركا أولا” مع انطلاق حملته الانتخابية، أي أن عقيدة ترامب في سياسته الخارجية قائمة على “الواقعية المبدئية”، وإلى “استراتيجية العمل من أجل المصلحة الوطنية الأميركية، وهو ما لخصها جورج فريدمان بأنها سياسة نزع فتيل المواقف التي قد تتطلب اتخاذ إجراءات عسكرية، والانخراط بدلا من ذلك في سياسة اقتصادية هجومية، فترامب يؤمن أن الذهاب إلى الحرب خيار خاطئ لأن نوايا الخصوم غير متوقعة، والحل يكمن في الحفاظ على الوجود وتجنب القتال والانخراط في مفاوضات مطولة قد تؤدي إلى شيء أو لا شيء ولكنها قد تقلل من التهديد العسكري، فهو يتعامل مع كل الملفات باعتبارها صفقة تجارية، وبذلك فعلى الولايات المتحدة ألا تعمل مع أي جهات فاعلة دولية ما لم يكن ذلك ضروريا، ومن أجل المصلحة الدولية والوطنية.
تعقدت معادلة العلاقة بين نتنياهو وترامب بعد تعنت نتنياهو بعدم إيقاف الحرب، الأمر الذي بدأ يهدد مشاريع ترامب في الشرق الأوسط، وهو ما دفع ترامب إلى تجاهل نتنياهو وإسرائيل في أول زيارة له في الشرق الأوسط، والتي أعطت مؤشرا على تضارب المصالح بين ترامب و وهو ما نظر إليه اليهود كخطورة على مستقبل التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، فقد منح ترامب الخليج استثمارات وصفقات أسلحة وتكنولوجيا قد تتفوق على التكنولوجيا الإسرائيلية في المستقبل القريب، وإعلانه وقف العملية العسكرية ضد الحوثيين، مع استمرار استهداف الحوثيين لدولة الاحتلال عبر الصواريخ العابرة للقارات، والذي فسر من قبل الساسة الإسرائيليين حفاظا على المصالح الأمريكية وتجاهلا للمصالح الإسرائيلية.

تلك المواقف والسياسة الأمريكية وضعت إسرائيل في موضع العزلة الدولية لتتلقى انتقادات شديدة، فمنحت قادة أوروبا مجالاً لانتقاد نتنياهو وسياسته في حربه تجاه غزة ليصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي مخزية وأن على الأوروبيين النظر في تشديد العقوبات، ليصرح المستشار الألماني فريدريش ميرتس “لا يمكن تبرير حجم الهجمات الإسرائيلية الحالية في غزة بحجة الحرب على حماس، ما الذي يفعله الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة الآن؟ بصراحة لا أفهم ما هو الهدف من التسبب في مثل هذه المعاناة للسكان المدنيين، كما أعلن وزير الخارجية الإيطالية أنطونيو تاجاني: “يجب على نتنياهو وقف الغارات على غزة. نحن بحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين”.
لقد واجهت إسرائيل انتقادات شديدة من القادة الأجانب ومنظمات الإغاثة، وبدأ شركاء إسرائيل يمارسون ضغوطاً لوقف الحرب ، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، فقد كانت بريطانيا وكندا وفرنسا انتقدت قرار إسرائيل توسيع عملياتها في غزة، وأنه “غير متناسب على الإطلاق”، وحذرت من عواقب وخيمة إذا لم تغير إسرائيل مسارها، لتعلق بريطانيا مفاوضاتها التجارية مع إسرائيل، كما فرضت عقوبات على المتطرفين الإسرائيليين الذين يقودون جهودا لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم في الضفة الغربية المحتلة، وذهبت فرنسا لتنظيم مؤتمر في يونيو/حزيران 2025م بالشراكة مع المملكة العربية السعودية لمناقشة إقامة دولة فلسطينية والاعتراف بها.
ذلك دفع جهات داخل إسرائيل اعتبار هذه الخطوات تتجه نحو العزلة الدبلوماسية لإسرائيل، فكتب إيتامار آيخنر المراسل الدبلوماسي في صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل وصلت إلى أدنى مستوياتها الدبلوماسية بعد 593 يوما من الحرب، وتحولت إلى دولةٍ منبوذة، ذلك مع اتهام نتنياهو كمجرم حرب وصدور مذكرة اعتقال من محكمة العدل الدولية بحقه بتهمة ارتكاب جرائم وجرائم ضد الإنسانية.
في الوقت الذي اعتبر فيه نتنياهو تشابك القضايا والملفات يخدم المصالح الداخلية والخارجية بغض النظر شخصية أو وطنية للاحتلال، لم يستطع أن يقر بأن تأثير هذا التشابك على الدول الداعمة والمتحالفة معه سيكون هو نفسه أداة الاصطدام والتشابك معه لتعرض مواقفها ومصالحها للتهديد، وأن تعدد الملفات والقضايا خصوصاً في الحروب يضع الطرف المشترك في جميعها تحت دائرة الاتهام والموالين له.