أيّة حالة عادت فيها يا عيد؟” – غزة بين الألم والتفاؤل

أمد/ “عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيد؟”
هكذا يخاطب المتنبي العيد، وكأنه يعاتبه على مجيئه في وقت لا يصلح للفرح، ولا يحمل ما يُنتظر من سرور. وهذا تمامًا ما يمكن أن تقوله غزة، وهي تستقبل عيدًا جديدًا، مثقلًا برائحة البارود، وبكاء الأمهات، ودموع الأطفال.
في غزة، لا تأتي الأعياد كما في بقية العالم فالعيد هناك لا يُعلن بلباس جديد، بل بملابس الحداد لا يُستقبل بزغاريد الفرح، بل بأصوات القصف وصراخ المصابي .العيد في غزة ليس عطلة، بل استمرار في الكفاح من أجل البقاء.
العيد في غزة… طقوس تحت الحصار
في غزة، لا يُعرف العيد كما تعرفه بقية الشعوب فمنذ أكثر من 18 عامًا، يعيش القطاع تحت حصار خانق، برّي وبحري وجوي، فرضته إسرائيل وباركته قوى دولية بصمتها، وعجز العالم العربي بتخاذله.
في كل بيتٍ في غزة قصة، وكل قصة تبدأ بالحرمان وتنتهي بالصمود وأمهات فقدن أبناءهن، وآباء يعملون في ظروف لا إنسانية لتأمين قوت أطفالهم، وشباب محرومون من حق التنقل والعمل وحتى الأمل.
تُعلن المساجد قدوم العيد، لكنّ القلوب لا تنشرح، لأنّ العيد في غزة لا يعني ملابس جديدة ولا سفراً ولا متعة… بل يعني استمرار الحياة، رغم كل شيء.يعني أن تُصلي في مسجدٍ أعادوا بناءه بعد قصف، أن تُقبّل طفلًا فقد أصدقاءه في غارة، وأن تحضن أمًّا ما زالت تنتظر ابنها خلف الأسلاك الشائكة.
بين المقاومة وتخاذل الشقيق
غزة لا تُعاني فقط من الحصار الإسرائيلي، بل من خذلان عربي صامت فالحدود المغلقة، التصريحات الدبلوماسية الباردة، الإدانة الخجولة للجرائم، والتطبيع مع المحتل… كل ذلك يُضيف طبقة جديدة من الجراح على جسد غزة المثخن.
أمّا القوى الكبرى، فتمارس ازدواجية فاضحة في معاييرها، تتغنّى بحقوق الإنسان حين يخدم ذلك مصالحها، وتصمت أو تُبرر الجرائم حين يكون الضحية فلسطينيًا.والمجتمع الدولي، الذي اعتاد إحصاء القتلى دون أن يوقف آلة القتل، يُقدّم المساعدات، لا لإنهاء المعاناة، بل لإدارتها.
العيد في غزة مقاومة لكن، ورغم كل هذا، لا تنكسر غزة يأتي العيد، ويُعلّق الأطفال زينة من ورق، ويصنعون ألعابهم من بقايا الخشب، ويضحكون، لأن الضحك في وجه القهر مقاومة تُقام صلاة العيد في الساحات، وتهتف الحناجر بالدعاء لا باليأس تخرج العائلات لزيارة قبور الشهداء كما يخرج الناس في مدن أخرى لزيارة الملاهي.
غزة تُعلّمنا أن الفرح ليس نسيانًا، بل تحدٍّ أن نعيش في حضرة الموت هو نوع من الانتصار، وأن نُربّي أطفالنا على الأمل في زمن الإبادة، هو فعلٌ سياسيٌ بامتياز.
هل يسمعنا أحد؟ العالم يسمع، لكنه لا يُنصت.غزة تُنادي، لا لتستعطف، بل لتُذكّر: أن القضية لا تزال حية، وأن الاحتلال لا يُمكن أن يصبح أمرًا واقعًا، مهما طال الزمن.وفي ختام هذا العيد، تُوجّه غزة سؤالًا إلى كل من ينادي بالحرية والعدالة:
“أيعقل أن يُحتفل بالعيد، والاحتلال ما زال قائمًا؟أيعقل أن نُصافح من يقصفنا، وأن نُهادن من يُحاصرنا؟”
غزة… الوعد المؤجّل رغم الألم، ورغم الخذلان، غزة لا تفقد البوصلة.هي تعرف أن الفجر يأتي دائمًا بعد أحلك اللحظات.
هي تُراكم صمودها، وتُورّثه جيلًا بعد جيل، وتنتظر عيدًا حقيقيًا…عيدًا لا يُصنع من بقايا الحرب، بل من زوالها.
عيدًا لا يُعلن بالتكبير فقط، بل بالتحرير.
في وقتٍ تُضاء فيه الشوارع بالفوانيس والزينة في مدن العالم، تغرق شوارع غزة في الظلام بسبب الحصار وانقطاع الكهرباء.
وفيما يتبادل الناس الهدايا والحلوى، تتبادل العائلات هناك الأخبار عن مفقوديها وشهدائها، وتبحث في الركام عمّا تبقّى من ذكريات.
عدتَ حزينًا، مكسور الخاطر… لكنك عدت، وفي عودتك نُمسك بخيط حياة، لنثبت أننا ما زلنا هنا، ننتظر عيدًا آخر… يأتي ومعه الحرية.