تضحية سكان غزة: وهم التفويض الإلهي!

أمد/ النصف الأول من العنوان أعلاه هو حرفياً ما تقوله ألسنة الطبقة الحاكمة لغزة، وهو أيضاً ما تؤكده أفعالهم طوال العقود الماضية، حيث جرت محاولات كثيرة لتطويع إرادة الناس وسلب رأيهم وتحويلهم من مواطنين، لهم حقوق وعليهم واجبات، إلى أتباع مطيعين يفعلون ما يؤمرون. لقد وصل الأمر إلى المجاهرة بفكرة التضحية بأهل غزة وكأنهم أكباش تُقدم من أجل إيقاظ الأمة من سباتها العميق، باعتبارهم أوصياء على الشعب والأمة، ويملكون التفويض الإلهي لذلك، ومن حقهم توجيه البشر والتضحية بهم، دون مناقشة أو اعتراض من أحد.
وبهذا الشكل أصبحت المعادلة مقلوبة رأساً على عقب، فبدلاً من أن يضحي الحاكم بنفسه من أجل الناس، أصبح هو من يطالب الناس بالتضحية من أجل مصالحه أو معتقداته الخاصة والخاطئة. ولو أعدنا المعادلة لشكلها الصحيح، وطلبنا من الحاكم التضحية لمصلحة البلاد والعباد، وهذا هو الطبيعي والمنطقي، لما سخي بذرة من نفسه، ولفر قائلاً نفسي نفسي، وهذا ليس مشهداً تخيلياً بل هو ما حصل بالفعل!
وهكذا يا سادة، عدنا من القرن الحادي والعشرين إلى العصور البدائية قبل ظهور الأديان السماوية، لكن على أبشع وألعن وبما يسيء لصحيح الدين، الذي حرم ذبح الإنسان أو تقديمه كقربان، من أجل اعتقاد، أو طقس جنوني، يسترضي به قوم مجانين ما يعتقدون أنه إله أو شيطان، فما بالنا إذا كان القربان هو شعب بكامله، يرمى في نار الحرب، إرضاء لنزوة مجنونة، أو عقيدة فاسدة أو حتى كما يقولون لإيقاظ أمة نائمة!
بعد هذه الأقوال والأفعال الشنيعة التي تصادم الدين والعقل والتحضر، وتخالف شريعة الله وأوامره، وما جاء به الأنبياء والرسل كافة، من يقبل أن يتم التضحية به بهذه الطريقة؟ من يرضى باستغفاله، ليس في أمور دنياه فحسب، بل أيضاً في شؤون آخرته وعلاقته بربه وإخوته في الدين أو الإنسانية؟ ماذا نقول للاحتلال المجرم الذي حرف مفهوم القربان في عقيدته ليصبح مبرراً للإبادة الجماعية التي ترتكب بحقنا، وأعاد تأويل المجازر الجارية والعقاب الجماعي على ضوء التاريخ التوراتي، وهو يتوهم بأنه يتقرب من الله بهذه الأفعال المنحرفة؟! كيف سنتتقد الصمت الدولي المطبق على هذه الجرائم التي ترتكب باسم الرب؟! من سيقف معنا بعد البوم في معارك القرابين المقدسة؟!