قوى الطوطم: درب مغلق لا يؤدي إلى التحرر..!

أمد/ في ظلّ الواقع الفلسطيني المأزوم، ومع اشتداد العدوان وتعمّق الانقسام، تبرز إلى الواجهة مجددًا قوى وفصائل ترفع شعارات “المقاومة” و”التحرير”، دون أن تحمل مشروعًا وطنيًا جامعًا أو رؤية استراتيجية واضحة.
هذه القوى التي يمكن توصيفها بـ”الطوطمية”، تُقدّس ذاتها وتنظيمها وتتعامل مع الشعب كوقود لمعركة مفتوحة لا أفق لها، لا يحكمها منطق وطني، بل تُحرّكها حسابات آنية أو تنظيمية ضيقة.
ورغم ما ترفعه من شعارات، إلا أن الحصيلة على الأرض تكشف أن هذه القوى لا تقود إلى الحرية ولا تفضي إلى الاستقلال، بل تُكرّس دورة جديدة من دورات الموت والدمار والتشريد، وتدفع بالمجتمع الفلسطيني نحو الهاوية.
إنها مغامرات لا تُنتج سوى الخراب، وتفتح الباب واسعًا أمام الاحتلال ليُنفذ مخططاته المبيّتة تحت غطاء “الدفاع عن النفس” أو “مكافحة الإرهاب”، في ظل عجز فلسطيني داخلي عن لجمها أو مساءلتها.
النتيجة؟ شعب أعزل يُدفع نحو مواجهة غير متكافئة، بلا غطاء سياسي موحّد، وبلا أفق حقيقي لأي مكسب وطني.
بينما تُواصل إسرائيل استثمار هذه اللحظات لتغيير الحقائق على الأرض، وفرض مزيد من الإجراءات التهجيرية والعقابية، بدعم وتواطؤ دولي مكشوف.
إن أخطر ما في الظاهرة الطوطمية أنها تمنح الاحتلال الذريعة، وتُضعف وحدة القرار الفلسطيني، وتُفشل إمكانات صياغة استراتيجية نضالية وطنية شاملة.
وتستبدل الرؤية الوطنية بالمزاج الفصائلي، وتُقصي المؤسسات الشرعية الجامعة لصالح قرارات فردية أو فئوية، تُتخذ في الظلام وتُنفذ في وضح النهار على حساب دماء المدنيين.
إن مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، الذي راكم تضحيات جسامًا منذ النكبة وحتى اليوم، لا يحتمل مزيدًا من العشوائية ولا منطق الطوطم السياسي. فمعركتنا مع الاحتلال طويلة ومعقّدة، ولا تُحسم إلا بوحدة وطنية حقيقية، وببرنامج مقاومة شاملة، سياسيًا وشعبيًا وقانونيًا، يُعيد الاعتبار للقضية في وجدان العالم، ويُخرجها من أسر المغامرات الطائشة أو التوظيفات الإقليمية.
لقد آن الأوان لتجديد الخطاب الوطني، ورفض نهج التقديس الفصائلي والشعاراتي، والعودة إلى صوت العقل الفلسطيني الجمعي، الذي يعرف كيف يُوازن بين الحق والممكن، ويُقاوم دون أن يُجازف، ويُضحّي دون أن يضحّي بشعبه.