الإبداع والثقافة: وسائل لتحقيق تغيير سياسي فعلي أم مجرد تفريغ للضغوط؟

أمد/ في ظلّ الأنظمة السياسية العربية التي تتسمُ بالجمودِ أحياناً كثيرةً والاضطراب أحياناً أخرى يبرزُ السؤالُ عن جدوى الكتابة الإبداعية ودور المبدعين والمثقفين في إحداثِ تغييرٍ حقيقي… هل يمكن للإبداع الأدبي والفني والفكري أن يهزّ أركان السياسةِ أم أن كتاباتنا وخطاباتنا ما هي إلا صرخاتٍ في وادٍ سحيقٍ لا يسمعهُ أحد، ومجرد محاولاتٍ للتنفيس عن الإحباطِ دون تأثيرٍ ملموس؟
الإبداع كسلاح تغييري.. نماذج تاريخية
لطالما كانت الثقافة والأداب أدواتٍ فعّالةٍ في تشكيلِ الوعي الجمعي وتحريكِ الشعوب نحو التغيير.. ففي العالم العربي نجدُ أمثلةً واضحة على ذلك:
• الشعر السياسي كان شرارة الثورات كما في قصائد أحمد شوقي ومحمود درويش التي ألهبت المشاعر الوطنية.
• الرواية العربية التي كشفت زيف الأنظمة كـ الحي اللاتيني لسهيل إدريس والخبزُ الحافي لمحمد شكري اللتين فضحتا القمع الاجتماعي والسياسي.
• المسرح والسينما حيث استخدم الفن لنقد السلطة وخروج الشعب الغاضب الرافض للهزيمة كما في فيلم العصفور ليوسف شاهين.
هذه النماذج تثبت أن الإبداع ليس مجرد كلامٍ بل هو قوة دافعة للتغيير عندما يلامس وجدان الناس ويحرّك ضمائرهم.
التنفيس أم التغيير؟ حدود الثقافة في الواقع السياسي
في المقابل هنالك من يرى أن الثقافة في العالم العربي أصبحت فقاعةً معزولةً خاصة في ظلّ:
• الرقابة والمحظورات التي تُقيّد حرية التعبير وتجعل الكثير من الأعمال الإبداعية تسيرُ في مساراتٍ آمنة.
• انفصالَ النُخبةِ عن الشعب حيث يُنتج المثقفون أعمالاً لا تصلُ إلا إلى فئةٍ محدودةٍ بينما تظل الجماهيرُ العريضةُ تحت تأثيرِ الخطابِ الرسمي أو الديني.
• تحوّل الإبداع إلى سلعة في ظلّ العولمة حيث تُروِّجُ أعمالٌ لا تمسّ القضايا الجوهرية خوفاً من فقدان الدعم المالي أو الشهرة.
وفي هذه الحالةُ تُصبح الكتابةُ مجردَ تنفيسٍ يريحُ الضمير الفردي لكنهُ لا يغيّرُ الواقع بتاتاً.
كيف يُمكن تحويل الإبداعِ إلى قوّةٍ تغييرية؟
لن يكون الإبداعُ مجردَ كلامٍ إذا تحوّل إلى حركةٍ جماعيةٍ تسيرُ باتجاهين:
1. ربط الثقافةُ بالحراك الشعبي: كما حدث في الثوراتِ العربية حيث تحوّلت الشعارات والأغاني إلى وقودٌ للشارع.
2. اختراقُ الوسائل الحديثة: كاستخدامُ منصاتِ التواصل الاجتماعي والفنون الرقمية لنشرِ الأفكار خارج النخبوية التقليدية.
3. بناءَ وعيٍ نقدي: تعليم الأجيال الجديدة قراءةَ الواقع سياسياً واجتماعياً عبر الأدب والفن، وليس فقط استهلاكهُ.
الثقافةُ ليست بديلاً عن السياسةِ لكنها مُحرّكٌ لها..
الإبداعُ وحدهُ لا يُغيّر الأنظمةَ لكنهُ يخلقُ الأرضيةَ للتغييرِ بتهيئةِ العقولِ والقلوب، والفرقُ بين التنفيسِ والتغييرِ يكمنُ في مدى قدرةِ المبدعِ على تحويلِ الكلمة إلى فعلٍ، والفكرة إلى حركة… فنحنُ نحتاجُ إلى ثقافةٍ لا تكتفي بالصراخِ بل تصنع الصدى.