و. بوست: غزة تضع أوروبا في موقف دبلوماسي حاسم بشأن علاقاتها مع إسرائيل

أمد/ واشنطن: قال الكاتب والمعلق السياسي إشان ثارور إن ثمة تحول بارز في موقف الحكومات الأوروبية تجاه إسرائيل، مدفوعاً بتصاعد الغضب الدولي إزاء الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، والحملة العسكرية الإسرائيلية التي أعقبت هجوم حركة حماس، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وأوضح الكاتب في مقاله بموقع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن الدوافع الرئيسة لهذا التحول تكمن في الخسائر الفادحة للصراع، حيث قُتل أكثر من 54 ألف فلسطيني (بينهم العديد من النساء والأطفال)، والتدمير الواسع النطاق في غزة، والأزمات الإنسانية الحادة التي تفاقمت بسبب القيود الإسرائيلية على وصول المساعدات.
ألهبت حوادث مميتة حديثة وقعت للمدنيين اليائسين الفلسطنيين قرب نقاط توزيع المساعدات موجة إدانات دولية، وساهمت في طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة حماس.
ماكرون شخصية محورية في التحول
وأشار ثارور إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعد شخصية محورية في دفع هذا التحول. فخلال كلمة ألقاها في سنغافورة، ربط ماكرون صراحةً بين الدعم الغربي لإسرائيل مضيفاً أن سياسة “الكيل بمكيالين” تضر بمصداقية أوروبا فيما يتعلق بأوكرانيا.
وحذر الكاتب من أن التخلي عن غزة ومنح إسرائيل “تصريح مرور مجاني” يفتك بالمصداقية الغربية”. كما يحاول ماكرون بنشاط إحياء مشروع “حل الدولتين” المتعثر، ويعتزم عقد مؤتمر بالمشاركة مع السعودية، وقد يمضي قدماً نحو الاعتراف الفرنسي الرسمي بدولة فلسطين.
وبالمثل، وصف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة في غزة بأنها “مروعة وضارة ولا تُحتمل”. ورغم مقاومته دعوات حظر كامل لبيع الأسلحة لإسرائيل أو الاعتراف الفوري بدولة فلسطينية، تدرس حكومته فرض عقوبات مقننة على مسؤولين إسرائيليين محددين.
تراجع في التأييد الشعبي لإسرائيل عبر أوروبا
ولفت الكاتب النظر إلى وجود تراجع حاد في التأييد الشعبي لإسرائيل عبر أوروبا، بما في ذلك بريطانيا، حيث وصف النائب المحافظ كيت مالتهاوس غزة بشكل صادم بأنها “مسلخ يُستدرج فيه الجياع عبر مناطق قتالية، ليتم إطلاق النار عليهم”.
ويتعدى هذا التحول القادة الأفراد إلى مستويات أوسع:
على مستوى الاتحاد الأوروبي: تدرس الكتلة اتفاقياتها التجارية مع إسرائيل، وسط دعوات متزايدة لفرض عقوبات بسبب الحرب في غزة والتوسع في بناء المستوطنات بالضفة الغربية (الذي تعتبره المجتمع الدولي غير قانوني). وتدعو السويد بشكل خاص إلى عقوبات أوروبية ضد وزراء إسرائيليين يروجون للتوسع الاستيطاني.
حتى ألمانيا، حليفة إسرائيل التاريخية، تشهد تغيراً في نبرتها. فقد أعرب فريدريش ميرتز زعيم المعارضة عن حيرته بشأن “هدف الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة”، وأكد أن الأذى الذي يلحق بالمدنيين هناك “لم يعد من الممكن تبريره كقتال ضد الإرهاب”.
ورفض وزير الخارجية الألماني يوحنا فاديفول علناً المستوطنات الجديدة بالضفة الغربية واصفاً إياها بأنها غير قانونية وعقبة أمام السلام، محذراً من دعوات الضم.
ومع ذلك، لفت ثارور إلى أن هذه اللحظة “ذات الدلالة” تظل وفقاً لمحللين، مثل جيريمي شابيرو (المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية)، “أدائية” في جوهرها، وذلك بسبب محدودية النفوذ الأوروبي والانقسامات الداخلية داخل الاتحاد الأوروبي (مثل التناقض بين مواقف المجر المؤيدة لإسرائيل وأيرلندا المؤيدة للفلسطينيين). ويبدو تحقيق الإجماع الأوروبي المطلوب لاتخاذ إجراءات جذرية مثل تعليق العلاقات بالكامل أمراً غير مرجح.
منعطف دبلوماسي
في جوهر الأمر، يخلص الكاتب إلى أن أوروبا، بقيادة شخصيات مثل ماكرون وستارمر، وتحت ضغط الرأي العام المذعور من معاناة غزة، وتصلب إسرائيل الملموس في قضايا المستوطنات والمساعدات، قد وصلت إلى منعطف دبلوماسي.
ورغم أن العواقب السياسية الملموسة لا تزال غير واضحة وتواجه عقبات كبيرة، فإن نبرة الانتقاد الموحدة الصادرة من عواصم أوروبية كبرى تمثل تحولاً واضحاً عن مستويات الدعم السابقة.