صحفي إسرائيلي: رصد أكاذيب نتنياهو مهمّة صعبة تحتاج إلى مهارات استثنائية.

أمد/ تل أبيب: شن الصحفي الإسرائيلي البارز بن كسبيت هجوما لاذعا على رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
ووصف بن كسبيت في مقال له بصحيفة “معاريف” العبرية نتنياهو، بأنه “رجل يكذب على مدار الساعة” وبأن تتبع أكاذيبه “مهمة شبه مستحيلة تتطلب قدرات خرافية، وربما حاملات طائرات”.
في مستهل مقاله، عبر كسبيت عن دهشته من جرأة نتنياهو في “بث أوهامه على الهواء مباشرة”، مشيرا إلى محادثة فاضحة أجراها مؤخرا مع الحاخام موشيه هيرش، والتي كذب فيها بلا هوادة حتى باللغة الإنجليزية.
في إحدى خطبه بالكنيست، تساءل نتنياهو بصوتٍ جهوري: “ماذا لو كانت المعارضة في 1958؟ هل كنّا لننجح في إقامة الدولة؟”. لكن بن كسبيت يرد بسخرية: “هل نسي نتنياهو أن الدولة أُقيمت عام 1948؟”. يذكّره أيضًا بأن والده بن تسيون نتنياهو كان من الموقعين على إعلان في نيويورك تايمز ضد تقسيم فلسطين عام 1947، واعتبره “انتحارا وطنيا”.
وفي مفارقة صادمة، يكشف كسبيت أن والد نتنياهو نفسه كان من أبرز المعارضين لإعلان الدولة، بل وشارك في حملة إعلامية دولية ضد قرار الأمم المتحدة. ومع ذلك، يتهم نتنياهو المعارضة الحالية بتشويه صورة إسرائيل عالميا، متجاهلا أن عائلته كانت أول من فعل ذلك.
لكن القصة لا تقف عند حدود الماضي. فخلال الحرب الأخيرة، بحسب محادثة تم تسريبها، أبلغ نتنياهو أحد الحاخامات أنه أقال رئيس الأركان هرتسي هاليفي ووزير الجيش يوآف غالانت لأنهما “شكلا عائقا أمام تمرير قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية للمتدينين”.
بينما كان الإسرائيليون يودّعون قتلى الجيش، كان رئيس الوزراء يتفاوض مع قيادات الحريديم لتأمين استمرار دعمهم له، حتى لو تطلّب الأمر إعفاء 80 ألفا من أبنائهم من الخدمة الإلزامية، رغم حاجة الجيش الماسة إليهم.
بن كسبيت يرى أن الائتلاف الحاكم يتفكك تدريجيا، لا بسبب كارثة 7 أكتوبر أو الأزمة الاقتصادية أو الدمار في غزة، بل بسبب فشل نتنياهو في تمرير قانون إعفاء الحريديم. ويؤكد أن “المؤسسة العسكرية تنهار أمام أعيننا، ومعنويات الجنود في الحضيض”.
المفارقة الكبرى، بحسب كسبيت، أن هذه الحكومة تطالب باحتلال غزة وإقامة مملكة تمتد من “الهند إلى كوش”، في وقتٍ تُعفي فيه الحريديم من الخدمة. ويقول: “الجنود يستنزفون، أما أولئك الذين لا يخدمون، فيحصدون الامتيازات ويسيطرون على الوزارات”.
في رأي نتنياهو، الخطأ كان بعدم تمرير قانون يتيح تعيين المستشارين القانونيين كـ”موظفين بالثقة” في بداية ولايته. فلو فعل، لما واجه أي عائق قانوني في تمرير قانون إعفاء الحريديم، بحسب قوله في جلسات مغلقة.
“سيكذب”، يقول كسبيت، “الحريديم يعرفون أنه يكذب، وهو يعرف أنهم يعرفون. لكنهم لا يملكون بديلًا”. ويتوقع أن تستمر هذه اللعبة حتى تنهار الحكومة تمامًا، مؤكدًا أن ساعة الحسم تقترب، والانتخابات قادمة، سواء في أكتوبر 2025 أو مطلع 2026.
وفي محاولة للتغطية على الفضيحة، اتهم أنصار نتنياهو رئيس الأركان المقال، بأنه “أعاق دمج لواء الحريديم في الجيش”، لكن كسبيت يدحض هذه الادعاءات بوثائق وصور تثبت أن هاليفي هو من أسس هذا اللواء، وكان وراء دعم اندماجه بالكامل.
وفي مقاله التكميلي يقول بن كسبيت، في خضمّ الاضطرابات الأسبوعية، مرّت أيام نتنياهو الأولى على منصة الاستجواب دون أن تُلاحظ. فبين انهيار الائتلاف الحكومي وموجة جرائم القتل والعنف الجنونية برعاية بن غفيريت المتبجح، كدنا نفقد الاهتمام. سأتناول كذبة واحدة فقط كشفتها النيابة العامة هذا الأسبوع. الكذبة التي حاول نتنياهو تسويقها للقضاة، والتي مفادها أنه في عام 1999، بعد خسارته الانتخابات وابتعاده عن السياسة، كان بالفعل “مخضرمًا”، ولم تكن لديه نية للعودة، وبالتالي فإن جميع الصداقات مع رجال أعمال كبار مثل أرنون ميلشين كانت مسموحة وقانونية تمامًا.
وقال، إنه يكذب. فور تقاعده، بدأ نتنياهو حملته للعودة إلى الساحة السياسية، كما أخبرنا أتباعه في حينها. كما بدأ حملة مصالحة جماعية مع جميع الصحفيين وكتاب الأعمدة الذين اختلف معهم طوال فترة ولايته. لم يحالفني الحظ لأني كنت آخرهم. في ذلك الوقت، كنت أكثر أفراد العائلة كرهاً (ولحسن الحظ، لم يتغير هذا كثيراً)، واستقبلني نتنياهو بعد الجميع. كانت محادثة ممتعة، باختصار.
ويضيف، كانت بيننا علاقة عمل جيدة في وقت ما، وكنت تقريباً الوحيد الذي كتب عنه باعتدال، حتى في انتخابات عام 2006، عندما أوصل الليكود إلى أدنى مستوى تاريخي له بـ 12 مقعداً.أكد لي نتنياهو نيته العودة. وركز الحديث كله على هذا الاحتمال. توسل إليّ قرب النهاية قائلًا: “افعل لي معروفًا واحدًا، استقيل”. كنت أعلم حينها مدى خطورة هذه القضية. قلت له: “لا أرغب في التعامل معها إذا لم تكن مهتمة بالتعامل مع شؤون الدولة”. انفصلنا كأصدقاء.
في مقال يعد شهادة تاريخية على مستوى الانهيار السياسي والأخلاقي الذي تعيشه إسرائيل، يصوب بن كسبيت نيرانه على نتنياهو، متهما إياه ببيع كل شيء (الحقيقة، الجيش، الوطن، الدولة) في سبيل البقاء السياسي.
*بن كسبيت يكتب في “واللا” و”معاريف” العبرية و “المونيتور” الأمريكي.