تصريحات السفير الأمريكي: انتهاك دبلوماسي وتحدٍ سياسي

تصريحات السفير الأمريكي: انتهاك دبلوماسي وتحدٍ سياسي

أمد/ في تطور لافت يعكس تحوّلاً جذرياً في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، أدلى السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، بتصريحات غير مسبوقة أعلن فيها أن إقامة دولة فلسطينية لم تعد هدفاً للولايات المتحدة. هذه التصريحات التي وُصفت على نطاق واسع بأنها خرق دبلوماسي واستفزاز سياسي، تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات كبرى حول مستقبل حل الدولتين ومكانة الولايات المتحدة كوسيط في عملية السلام.
والسؤال الذي يطرح نفسه عن مضمون تصريحات السفير الأمريكي هل هو انسحاب من الحل التاريخي بحسب ما جاء في التصريحات بنص مقابلة أجراها مع شبكة “بلومبرغ”، حيث صرّح هاكابي قائلاً: > “لا أعتقد أن قيام دولة فلسطينية أمر واقعي، وربما لن يحدث أبداً في حياتنا”.
السفير الأمريكي لم يكتف بذلك، بل أضاف بأنه يرفض استخدام مصطلح “الضفة الغربية”، مفضلاً الإشارة إليها باسمها التوراتي “يهودا والسامرة”، كما لمح إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية في أماكن أخرى، دون أن يحدد أين أو كيف. هذا التصريح يُعد، بمقاييس السياسة الدولية، تخلياً واضحاً عن حل الدولتين الذي ظل لعقود حجر الزاوية في الموقف الأمريكي المعلن من الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
تشير هذه التصريحات للسفير الأمريكي هاكبي إلى تحوّل أيديولوجي في خطاب واشنطن، يتجاوز الاعتبارات السياسية التقليدية ويعكس تبنياً واضحاً لرؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف. إنكار الاحتلال وتبنّي المصطلحات الدينية–السياسية الإسرائيلية بدلاً من التسميات المعترف بها دولياً وهذا يُعدّ انزلاقاً دبلوماسياً خطيراً، يضعف مصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه، ويدفع نحو شرعنة الاستيطان وانكار للحقوق الوطنية والتاريخية الفلسطينية.
كما أن تصريحات هاكابي لا يمكن فصلها عن القرار الأخير بإغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس، وهو ما قُرئ على نطاق واسع كخطوة أخرى تهدف إلى تقويض التمثيل السياسي الفلسطيني في النظام الدبلوماسي الأمريكي.
قوبلت تصريحات السفير الأمريكي بانتقادات واسعة في الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية والإقليمية. مسئولون فلسطينيون وصفوها بأنها “استفزازية وعدائية”، فيما أعرب دبلوماسيون عرب وأوروبيون عن “قلقهم العميق” إزاء هذا التحول، مشددين على أن حل الدولتين لا يزال المسار الوحيد المقبول دولياً لحل الصراع.
كما أن هذه التصريحات قد تكون لها تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة، إذ تعزز الخطاب الإسرائيلي الداعي لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وتضعف الأصوات الداعية إلى تسوية عادلة وشاملة.
تحول من السياسة إلى الأيديولوجيا . حيث تبرز في هذه التصريحات ملامح تحول أعمق في السياسة الخارجية الأمريكية، من مقاربة قائمة على “إدارة الصراع”، إلى أخرى تتبنّى رؤية أيديولوجية صلبة، ترى في إسرائيل ليس فقط حليفاً استراتيجياً، بل شريكاً في مشروع ديني–سياسي، يتجاوز حدود السياسة الواقعية.
هذا التحول لا يعكس فقط موقف السفير، بل يأتي متناغماً مع تصاعد نفوذ تيارات اليمين المسيحي داخل الحزب الجمهوري، والتي لطالما دعمت رؤية “إسرائيل الكبرى”، ورفضت صراحة أي اعتراف بهوية فلسطينية مستقلة
لحظة فارقة أم بداية النهاية؟ … إن تصريحات هاكابي ليست مجرد انزلاق لغوي أو رأي شخصي، بل تعبّر عن توجه رسمي مقلق يعيد صياغة الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية. في حال لم تُواجه هذه التصريحات بموقف دولي حازم، فقد تشكّل مقدمة فعلية لتصفية مشروع الدولة الفلسطينية، وتُدخل المنطقة في مرحلة جديدة من الصراع المفتوح، لا مكان فيها لتسويات عادلة أو حلول سياسية متوازنة.
إن الصمت على مثل هذه التصريحات، أو التعامل معها كأمر واقع، لن يؤدي إلا إلى ترسيخ الاحتلال وتكريس سياسة الإقصاء، وهو ما ستكون له كلفة سياسية وأخلاقية باهظة، ليس على الفلسطينيين وحدهم، بل على النظام الدولي بأسره.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي صحيفة صوت العروبه وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً