“الحداد” يتولى مكان “السنور”.. غزة بين قبضتي حماس والاحتلال

أمد/ حرّكت مشاهد الدمار المروعة في قطاع غزة، مشاعر الدول الأوروبية، وحتى وإن كان التحرك متأخرًَا، ولكنه فعّال وبدأت بعض الدول اتخاذ مواقف سياسية تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وما يقوم به من جرائم مروعة على قطاع غزة، وفرضت بعض الدول عقوبات على مسؤولين إسرائيليين بارزين في حكومة نتنياهو، وكان من الأولى أن تتخذ حركة حماس خطوات ملموسة، لإنقاذ غزة من حجم الدمار، الذي جناه القطاع، جراء القرار غير المدروس المتعلق بهجوم 7 أكتوبر.
وبالمقارنة بين موقف أوروبا وحماس، سنجد أن الدول الداعمة لإسرائيل عسكريًا، بدأت تشعر بالحرج أمام العالم، لكونها تمد إسرائيل بالأسلحة، التي تقتل النساء والأطفال من المدنيين، وبدأت تتراجع عن ذلك الدعم الدموي، بل اتخذت مواقف تجاه ممارسات الاحتلال، التي تتنافى مع كافة المواثيق والأعراف الدولية. أما “حماس”، تعاملت مع عمليات القتل اليومي للمدنيين، وتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، بمنطق أن كل حرب لها ضحايا.
– عقيدة حماس لا تفكر في المدنيين
موقف “حماس” له دلالات سياسية، تتمحور في رغبة الحركة بعدم التنازل عن حكم غزة، الذي انتزعته بـ انقلاب على السلطة الفلسطينية، وباتت الحركة تعلم مدى الخطورة على نفوذها السياسي، وتعتقد أن تنازلها عن حكم غزة، بمثابة نهاية لمستقبل الحركة السياسي. فقدت “حماس” العديد من قادتها، في عمليات اغتيال نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي، أبرزهم إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، وشقيقه محمد، الذي أعلنت إسرائيل عن مقتله والعثور على جثته، داخل أحد الأنفاق في غزة، وظهر القائد الخفي بعد “السنوار” وهو عز الدين الحداد، أحد “قادة الظل” في حركة حماس، والذي شارك في خطة هجوم 7 أكتوبر.
مبدأ “المقاومة” والدفاع عن الأرض، عقيدة مترسخة لدى “حماس”، وهو ما تبرر به دائمًا تمسكها بحكم غزة، ولكن هذه العقيدة تطبق حال حدوث خسائر في صفوف عناصر المقاومة، ولكن عندما تنزف دماء آلاف المدنيين الأبرياء، وتتحول منازلهم إلى أكوام من الركام، ويفتقدون كافة مقومات الحياة، من هنا كان يجب أن تتخلى “حماس” عن عقيدتها، وتتنازل عن سلاحها، لتعود غزة إلى حكم السلطة الفلسطينية. هذه الخطوة كان ستغير مسار القضية الفلسطينية، التي كانت ستلقى زخمًا دوليًا، وتضع إسرائيل في حرج أمام العالم، حال عدم الموافقة على إقرار الدولة الفلسطينية.
– الحداد على نهج السنوار
ظهور اسم “عز الدين الحداد” بعد اغتيال محمد السنوار، والزعم بأنه القائد الميداني لحماس في غزة، يعكس عزم الحركة على مواصلة نهج القتال. ومن المؤكد أن “الحداد” سيسير على نهج الحركة، فهو يملك القرار الآن إما بالاستمرار في الحرب، وهو ما يزيد من شلال دماء المدنيين، أو اتخاذ موقف إيجابي في المفاوضات الجارية، وعدم وضع شروط تعرقل مسار الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة.
ومن الواضح أن عز الدين الحداد، لا ينظر حوله، ويغمض عينيه عن مشاهد الدمار المروعة في غزة، ويخطط فقط لكيفية تحقيق مكاسب، تمكن الحركة من الحفاظ على مستقبلها السياسي. هذا النهج لا يعكس سوى أن “حماس” هدفها الأول هو عدم التفريط في حكم غزة، مهما بلغت الكلفة من حياة المدنيين، وأن أي ضغوط يمارسها الاحتلال، بعدم إدخال المساعدات، أو تجنيد عصابات مسلحة، لن يُثني الحركة عن استمرارها في مواصلة القتال.
– عمليات انتقامية ضد المدنيين
العمليات الرمزية التي تقوم بها “حماس” ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، تحاول دائمًا الحركة إظهارها وكأنها انتصار مدوي، وتصوير المشهد أن الحركة لا زالت موجودة على خط المواجهة، وتستطيع تنفيذ ضربات ضد الاحتلال، دون أن تدرك الحركة، رد الفعل الإسرائيلي، الذي يأتي بعنف وقوة مفرطة، وتوجيه عمليات قصف عشوائي، تودي بحياة عشرات المدنيين كل يوم، ليظهر نتنياهو أمام الرأي العام المشتعل في إسرائيل، بأن الحرب على غزة تؤتي بثمارها، بهدف تخفيف حدة الغضب الداخلي من جانب أسر الرهائن المحتجزين لدى حماس.
أمام عقيدة “حماس” المتمسكة بالسُلطة، وتطرف نتنياهو الساعي لتفكيك وتدمير غزة، يقع سكان القطاع ضحايا الصراع، يفقدون ذويهم كل يوم، ولا يجدون مأوى أو كِثرة خبز، ويبحثون عن سد جوعهم بالنبش في أكوام القمامة، أملا في العثور على “لقمة” ملوثة، فلم كُتب له النجاة من رصاص الاحتلال، يقع فريسة للمرض وينتهي به المطاف للموت، هكذا أصبح سكان غزة بين فكي حماس والاحتلال.