هل يستطيع تحالف «أوبك+» تعويض الفجوة الناجمة عن نقص النفط الإيراني؟

وسط تصاعد الأحداث بين إسرائيل وإيران عقب الغارات الجوية على مواقع إستراتيجية داخل إيران، استهدفت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية، والرد الإيراني على إسرائيل، تحول المتعاملون في سوق النفط، خلال يومين فقط، من التركيز على وفرة وشيكة للمعروض إلى الخوف من حدوث نقص.
أسباب قفزة الأسعار
بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، صباح الجمعة، قفزت أسعار النفط بنسبة تصل إلى 13% لتبلغ أعلى مستوياتها، منذ يناير الماضي، مع تزايد احتمال حدوث اضطراب كبير في إمدادات النفط في الشرق الأوسط.
وفي نهاية الجلسة تقلصت المكاسب نسبياً، لتغلق العقود الآجلة لخام برنت عند مستوى 74.23 دولار للبرميل، بزيادة حوالي 7%، بسبب مخاوف المستثمرين من أن يعطل القتال صادرات النفط من الشرق الأوسط على نطاق واسع.
ووفقاً لتحليل نشرته وكالة رويترز، فإن من بين أسباب هذا الارتفاع السريع هو أن الطاقة الإنتاجية الزائدة لدى أوبك وحلفائها، والتي تُمكنها من ضخ المزيد من النفط لتعويض أي اضطراب، تعادل تقريباً إنتاج إيران.
وقال محللون ومصادر في القطاع إن السعودية والإمارات هما العضوان الوحيدان القادران على زيادة الإنتاج سريعاً ويمكنهما ضخ كمية إضافية تبلغ حوالي 3.5 مليون برميل يومياً.
ويبلغ إنتاج إيران نحو 3.3 مليون برميل يومياً وتصدر أكثر من مليوني برميل يومياً من النفط والوقود.
لم يكن هناك أي تأثير على الإنتاج الإيراني حتى الآن جراء الهجمات الإسرائيلية ولا على الصادرات من المنطقة.
لكن المخاوف من أن إسرائيل قد تدمر منشآت نفط إيرانية لحرمانها من مصدر إيراداتها الرئيس دفعت أسعار النفط إلى الارتفاع.
ومن شأن أي هجوم يؤثر بشكل كبير على الإنتاج الإيراني ويتطلب من المنتجين الآخرين ضخ المزيد من النفط لسد الفجوة أن يترك القليل من الطاقة الاحتياطية للتعامل مع أي اضطراب آخر – وهو ما يمكن أن يحدث بسبب حرب أو كوارث طبيعية أو حوادث.
مضيق هرمز
هددت إيران، في الماضي، بتعطيل حركة الملاحة عبر مضيق هرمز إذا تعرضت لهجوم. ويمر عبر المضيق حوالي 20% من إمدادات النفط العالمية، بما في ذلك الصادرات: السعودية، والإماراتية، والكويتية، والعراقية، والإيرانية.
وبذلك يعود مضيق هرمز إلى واجهة الأحداث الدولية مجدداً، مع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، وسط مخاوف متزايدة على أمن واحد من أكثر الممرات المائية أهمية لشحن النفط والغاز في العالم.
وقال رئيس قسم التحليل الجيوسياسي في ريستاد والمسؤول السابق في منظمة أوبك، غورغي ليون: «إذا ردت إيران بتعطيل تدفقات النفط عبر مضيق هرمز أو استهداف البنية التحتية النفطية الإقليمية أو ضرب الأصول العسكرية الأميركية، فقد يكون رد فعل السوق أكثر حدة مما قد يدفع الأسعار إلى الارتفاع 20 دولارً للبرميل أو أكثر»، وفقاً لما نقلته رويترز.
تغيير في حسابات المتعاملين
جاء التغيير المفاجئ في حسابات المستثمرين في قطاع النفط هذا الأسبوع بعد شهور شهدت زيادة إنتاج «أوبك+»، وأججت قلق المستثمرين حيال فائض المعروض في المستقبل واحتمال انهيار الأسعار.
هذه الزيادات، أجهدت بالفعل قدرة بعض الأعضاء على إنتاج المزيد، مما تسبب في عدم تحقيق أهدافهم الجديدة.
وحتى بعد أحدث الزيادات، لا تزال المجموعة تطبق تخفيضات للإنتاج تبلغ حوالي 4.5 مليون برميل يومياً تم الاتفاق عليها، على مدى السنوات الخمس الماضية، لتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
لكن بعض هذه الطاقة الإنتاجية الفائضة -أي الفرق بين الإنتاج الفعلي وإمكانات الإنتاج الافتراضية التي يمكن تشغيلها بشكل سريع ومستقر- موجود فقط على الورق، وفقاً لتحليل رويترز.
بحسب محللين ومراقبين لأوبك، قد لا تكون حقول النفط والمنشآت النفطية قادرة على استئناف الإنتاج بسرعة بعد سنوات شهدت خفض الإنتاج وتراجع الاستثمار في حقول النفط عقب جائحة كوفيد-19.
كما قلصت العقوبات الغربية على إيران وروسيا وفنزويلا الاستثمارات النفطية في تلك الدول.
وقال «جيه بي مورغان» في مذكرة «بعد رفع الإنتاج في يوليو، يبدو أن معظم أعضاء أوبك، باستثناء السعودية، ينتجون بطاقتهم القصوى أو بالقرب منهم».
وأوضح مصدر كبير في القطاع يعمل مع منتجي «أوبك+»، لوكالة رويترز أن الطاقة الإنتاجية الفائضة ضئيلة خارج السعودية والإمارات.
قدرات فائضة في السعودية
من المقرر أن يرتفع إنتاج النفط السعودي إلى ما يزيد على 9.5 مليون برميل، يومياً، في يوليو المقبل، مما يجعل المملكة قادرة على إنتاج كمية إضافية تبلغ 2.5 مليون برميل يومياً إذا قررت ذلك.
ومع ذلك، لم تُختبر هذه القدرات سوى مرة واحدة فقط في العقد الماضي ولمدة شهر واحد فحسب في العام 2020 في محاولة لكسب حصص سوقية أكبر بعد خلاف مع روسيا.
كما توقفت المملكة عن الاستثمار في توسيع طاقتها الاحتياطية بما يتجاوز 12 مليون برميل يومياً مع تحويل مواردها إلى مشاريع أخرى.
ماذا عن النفط الروسي؟
تقول روسيا، ثاني أكبر منتج داخل أوبك+، إن بإمكانها ضخ كمية تتجاوز 12 مليون برميل يومياً.
لكن تقديرات «جيه بي مورغان» تشير إلى أن موسكو لا تستطيع زيادة إنتاجها سوى بنحو 250 ألف برميل يوميا إلى 9.5 مليون برميل يومياً خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وستواجه صعوبات لزيادة الإنتاج أكثر من ذلك بسبب العقوبات.
فائض إنتاج في الإمارات
تقول الإمارات إن طاقتها الإنتاجية القصوى من النفط تبلغ 4.85 مليون برميل يومياً، وأبلغت منظمة أوبك بأن إنتاجها من الخام وحده في أبريل زاد قليلاً على 2.9 مليون برميل يوميا، وهو رقم تؤكده إلى حد كبير المصادر الثانوية في أوبك، بحسب تحليل رويترز.
إلا أن وكالة الطاقة الدولية قدرت إنتاج الإمارات بحوالي 3.3 مليون برميل يومياً في أبريل، وتقول إن الإمارات لديها القدرة على زيادة الإنتاج بمليون برميل يومياً. ويقدر بنك «بي.إن.بي باريبا» أن إنتاج الإمارات أعلى من ذلك حيث يترواح بين 3.5 مليون وأربعة ملايين برميل يومياً.
تفاوت قدرات زيادة الإنتاج
قال ألدو سبانيار المحلل لدى بي.إن.بي باريبا “أعتقد أن الطاقة الاحتياطية أقل بكثير مما يُذكر في كثير من الأحيان”.
وأذكى تفاوت القدرة على زيادة الإنتاج بالفعل توتراً داخل أوبك+.
وقالت مصادر لوكالة “رويترز” إن السعودية تفضل إلغاء تخفيضات بنحو 800 ألف برميل يوميا بحلول نهاية أكتوبر.
وفي اجتماعهم الماضي، أبدت روسيا إلى جانب عُمان والجزائر دعمها لتعليق زيادة الإنتاج لشهر يوليو، وفقاً لما ذكرته رويترز.